تعطيل إستفادة لبنان من الفُرَص المتاحة للنهوض، وإنحسار ثقة النّاس بأداء السياسيِّين
بين نفي المسؤولين بتدخُّل الخارج وجنوح البعض للإستئثار بالسلطة تبقى ولادة الحكومة مؤجّلة
إلا أنه لا يمكن فصل التأثيرات والتدخلات الإقليمية المعهودة في عملية التشكيل، لا سيا بعد صدور أكثر من بدعة وموقف لاتباع النظام السوري ورموزه السياسيين بالداخل اللبناني
لا شك أن إطالة أمد تشكيل الحكومة الجديدة أكثر من الوقت المعتاد الذي تستغرقه عملية تشكيل أي حكومة عادة، سيكون لها تداعيات وتأثيرات سلبية تتخطى انتظام الحياة السياسية العامة في البلد وعمل المؤسسات الدستورية والإدارات في الدولة ككل، إلى علاقات المواطنين بالسلطة والوضع الاقتصادي غير المستقر وانتهاء بالأوضاع الاجتماعية وغيرها.
وإذا كان مسار تشكيل الحكومة المرتقبة ما يزال ضمن المهلة الطبيعية المعقولة للتأليف في ضوء تعدد الأطراف المشاركين فيها وتعارض توجهاتهم ومصالحهم، إلا ان هذا التأخير الحاصل حالياً والمخالف للتوقعات ومواقف الأطراف السياسية أثناء مرحلة المشاورات التي سبقت تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة، بات يطرح سلسلة تساؤلات واستفسارات من قبل العديد من المراقبين السياسيين وغيرهم، عمّا اذا كانت عملية تأليف الحكومة ما تزال أسيرة التجاذبات الداخلية وضمن دائرة تنافس الأطراف على انتزاع أكبر نسبة من المكاسب في التركيبة الحكومية تمهيداً للمنازلة الكبرى على انتخابات الرئاسة المقبلة كما ظهر بين سطور المواقف المعلنة بهذا الخصوص على لسان سياسيين بارزين، او ان العملية قد أصبحت أسيرة التدخلات الإقليمية من قبل النظام السوري أو الايراني في بعض جوانبها، في محاولة لوضع اليد على القرار السياسي بلبنان أو للتأثير سلباً أو إيجاباً على قرارات الحكومة المقبلة بما يخدم مصالح هذين النظامين على حساب البلد ومصالحه.
ومع ان كل المؤشرات توحي وكأن أسباب تعثر ولادة التشكيلة الحكومية داخلية بالكامل استناداً إلى مواقف الأطراف المعنيين مباشرة بعملية التشكيل وإلى تأكيدات صادرة عن رئيسي مجلس النواب والرئيس المكلف بهذا الخصوص في أكثر من مناسبة بالتزامن مع بروز جنوح واضح للاستئثار والهيمنة على مفاصل القرار السياسي للحكومة الجديدة ولا سيما من قبل رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل كما يتردد على ألسنة العديد من السياسيين في المواقف المعلنة على وسائل الاعلام لملاقاة المرحلة المقبلة بثقل سياسي وازن ومؤثر، ليس في القرارات الحكومية العادية وإنما في ما يخص الاستحقاقات المهمة وفي مقدمتها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية بعد أربع سنوات، بالرغم من طول المدة الفاصلة عن هذا الاستحقاق المهم والاساسي في الحياة السياسية اللبنانية، إلا انه لا يمكن فصل التأثيرات والتدخلات الإقليمية المعهودة في عملية التشكيل، لا سيما بعد صدور أكثر من بدعة وموقف لأتباع النظام السوري ورموزه السياسيين بالداخل اللبناني تُشير بوضوح الى تدخلات غير مباشرة وبواسطة هؤلاء لترجيح كفة حلفائهم السابقين والجدد في التركيبة الحكومية المرتقبة على حساب خصومهم التقليديين والمناوئين لتدخلاتهم بالداخل اللبناني كما كان يحصل أبان فترة الوصاية المشؤومة في السابق، الأمر الذي يعيق ويطيل عملية تشكيل الحكومة العتيد، تارة بحجة هذا المطلب أو ذاك، وتارة أخرى بمحاولة اقصاء هذا الطرف أو تحجيم طرف لا يماشي النظام السوري لتوجهاته وسياساته التدميرية.
ومهما تكن أسباب التأخير في ولادة الحكومة المرتقبة وتحت تأثير أي شعار أو حجة أو سبب كان، فإن هذا التأخير أصبح مكلفاً ومضراً على اللبنانيين ومصالحهم من دون استثناء.
– مضرّ على الحياة السياسية العامة وعلاقات الأطراف السياسيين بين بعضهم البعض. ولعل تفاعل الخلاف حول التشكيلة الحكومية وحصص الأطراف وما يحصل بخصوصها، اقوى دليل على ما يصيب الواقع السياسي جرّاء استمرار الخلاف الحاصل.
– يفوّت على اللبنانيين الاستفادة من العديد من الفرص المتاحة للنهوض بالوطن ومنها جذب المستثمرين إلى الداخل اللبناني وزيادة عدد السائحين من الخارج بما يؤدي إلى تنشيط العديد من القطاعات التي تستفيد من هذا الواقع.
– تعطيل تنفيذ مقررات المؤتمرات الدولية التي انعقدت بالخارج لمساعدة ودعم وتنشيط الوضع الاقتصادي في لبنان وتفعيل عمل مؤسساته العسكرية والأمنية كمؤتمر «سيدر» و«روما» و«بروكسيل».
– إبقاء الدورة الاقتصادية جامدة أو تراوح مكانها على الأقل في الوقت الذي يتطلع فيه اللبنانيون إلى قيام المسؤولين بالخطوات المطلوبة والسريعة لإعادة تحريك هذه الدورة التي يستفيد منها جميع المواطنين.
– وأخيراً، استمرار انحسار ثقة اللبنانيين بساساتهم استناداً إلى الخلافات المستحكمة التي تعيق تشكيل الحكومة الجديدة، في الوقت الذي كان يأمل النّاس بقيام المسؤولين على كافة مستوياتهم بخطوات جدية وفاعلة لإعادة هذه الثقة وتكريسها عملياً على أرض الواقع.