لم يعد سرًّا أن التعطيل الذي مورس في الاستحقاق الرئاسي كما في مجلسي النواب والوزراء منذ عامين ونصف عام، هو أقوى من السلاح الذي استخدمه «حزب الله» في السابع من أيار في بيروت والجبل، والذي تمكّن بنتيجته من تغيير وقائع سياسية عديدة أهمها قرار مجلس الوزراء بشأن نقل موظّف في المطار، واعتماد بدعة «الثلث المعطّل» المقنّع التي جرى التوافق عليها في مؤتمر الدوحة.
ذلك أن «التعطيل» تحوّل الى رديف لمفعول السلاح لا بل أقوى، بحيث تمكّن «حزب الله» من خلاله من تغيير وقائع سياسية أكثر أهمية حتى وصلت الجمهورية الى مرحلة العجز والشلل الشاملين، في غياب رئيس للجمهورية لعامين ونصف عام (وهي سابقة لم يشهد العالم كلّه مثيلاً لها). وغياب السلطة التشريعية عن دورها بصورة كاملة، ومعها الحكومة المعطّلة جملة وتفصيلاً والتي تترنّح بين ملف نفطي من هنا وخلوي من هناك وبيئي من هنالك.
هذه الوقائع تشي بأن «حزب الله» يتعاطى الشأن السياسي الداخلي كما لو أنه جزء من معاركه الميدانية وتكتيكاتها المتبدلة، حيث يبدّل تكتيكه بين مرحلة وأخرى وفقاً للظروف التي تحيط بكل تكتيك وللنتائج التي تنجم عنه.
ففي 7 أيار 2008 ظنّ «حزب الله» أن استخدام السلاح يمكن أن يوفّر له نتائج سياسية مهمة قبل أن يكتشف في الانتخابات النيابية بعد عام أن «7 أيار» قاده الى هزيمة انتخابية مع حلفائه، وأن قوى 14 آذار استعادت أكثريتها النيابية، مستفيدة من جريمة 7 أيار.
ولأن وسيلة السلاح لم تجدِ نفعاً وإنما أدّت الى نتائج عكسية، لجأ «حزب الله» الى «القمصان السود» في 2011 لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والاتيان بحكومة نجيب ميقاتي، حيث نزل رجال الحزب فجراً الى شوارع بيروت و انتشروا لمدة أربعين دقيقة قبل أن ينسحبوا، مخلّفين ذعراً كان كافياً لتغيير الواقع الحكومي.
لكن هذا «الانقلاب» الذي اعتمد تكتيك الاستفادة من وهج السلاح من دون استخدامه لم ينجح هو الآخر، لأن نتائجه السياسية جاءت مخالفة لتمنيات الحزب، وسقطت حكومة ميقاتي وسقطت معها تجربة حكم لبنان أحادياً من «حزب الله».
لذلك لجأ الحزب الى تكتيك جديد اسمه «التعطيل» هذه المرّة، في محاولة منه للضغط من أجل بلوغ واحدة من نتيجتين: إما إيصال المرشّح الذي يريد الى سدّة الرئاسة، أو إحلال الفراغ في السلطة ووضع ورقة الأزمة الوطنية الناجمة عن هذا الفراغ في جيبه أي جيب إيران من أجل المقايضة بها في لعبة البازار الاقليمي عندما يحين أوان التسوية.
قبل عامين تقريباً، لم يكن قد مضى على تعطيل الاستحقاق الرئاسي أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر، جمعت مناسبة بلدية في احدى مدن محافظة جبل لبنان مجموعة من النواب والوزراء والسياسيين ورؤساء الأحزاب. اقتربت من رئيس حزب عضو في تكتّل مسيحي كبير متسائلاً: «أيجوز أن يبقى لبنان من دون رئيس لأكثر من ثلاثة أشهر؟ كيف يمكن أن يقبل النواب بذلك وببقاء الجمهورية بلا رأس وبتعطيل استحقاق بهذه الأهمية؟».
أجاب رئيس الحزب متحسراً: «صحيح، لكن للأسف ثمة بدعة تمّ اختراعها تدعى التعطيل سيتمّ استخدامها لفترة طويلة حتى تؤدي الغاية المرجوّة منها، مع لفت الانتباه الى أن التعطيل أقوى من السلاح». وقد صَدَق.