“نداء الوطن” تستطلع والتلامذة يجيبون
أدت أزمة فيروس “كورونا المستجد” وما نجم عنها من مخاوف، إلى إغلاق المدارس في العديد من البلدان منها لبنان، وشكلت دافعاً للإنخراط في أسلوب تعليمي جديد وافتراضي، مبني على استخدام التكنولوجيا والتطبيقات. واليوم يقف بلايين الطلاب حول العالم في مهب منظومة “التعليم عن بعد” وما نتج عنها من اخفاقات وفجوات رقمية وتقنية وطبقية خصوصاً أن هذا النوع من التعليم يشهد غياباً واضحاً للبعد الإنساني وإهمالاً جلياً للطبقات الفقيرة غير القادرة على الإلتحاق.
بدا العام الدراسي في لبنان مهدداً مع انضمام الطلاب إلى “ثورة تشرين” والتعطيل الناتج عنها، غير أن إخفاقات وزارة التربية في صوغ الحلول الفعّالة للتلاميذ مع اندلاع أزمة الفيروس، يبدو أنها ستنتج “ثورة الكورونا” يقودها الطلاب والأهالي والأساتذة يداً بيد رفضاً لحلول الوزارة الضبابية وانعدام الخطة الواضحة وإجراءات “تمشاية الحال” وتخوفاً من مصير العام الدراسي وامتحانات الشهادات الرسمية المقررة بعد شهرين.
لا للتعليم عن بعد
أنهى لبنان شهره الأول في تجربة تقنية “التعليم عن بُعد” تعاملاً مع الأزمة، وعلت أصوات الأهالي والتلاميذ والأساتذة الذين اجتمعوا على مقولة “لا للتعليم عن بُعد” ونشروها كهاشتاغ عبر وسائل التواصل الإجتماعي رفضاً لما حدده وزير التربية طارق المجذوب من ثلاثة مسارات للطلاب اللبنانيين كي يتابعوا تعليمهم عن بُعد. وتقول الناشطة التربوية والمعلمة نسرين شاهين لـ”نداء الوطن” أن المسار الأول وهو “البث التلفزيوني” لحصص تعليمية عبر تلفزيون لبنان الرسمي لا يلحظ كل المنهج التعليمي لصفوف الشهادات على وجه التحديد وأن هناك تفاوتاً بين تلاميذ هذه الصفوف فهناك ثانويات وصلت إلى فصل معين وأخرى سبقتها . أما في الحديث عن المسار الثاني الذي تكلم عنه الوزير المتمثل بـ”المنصات الإلكترونية” فقد قالوا لنا في الوزارة إن شركة “مايكروسوفت” قد قدمت تطبيق Microsoft teams بشكلٍ مجاني للأساتذة ولكن حتى اليوم لم يصلنا أي “username” وهو ما نحتاجه لاستعمال هذه الطريقة وبالتالي هو مسار وهمي تماماً ولا يمت للحقيقة بصلة. أما ثالثًا، وهو الوسائل التقليدية أو الورقية عبر تبادلها بين المدارس والطلاب عن طريق الأهل، ثمّ إعادتها من جديد لتصحيحها فلم تعتمدها أغلب المدارس.
وأشارت شاهين “هو انجاز وهمي” للحكومة المقنعة الحالية ووزارة التربية “على ظهر الأساتذة” وعلى حساب تعبهم وإرهاقهم ومن دون أخذ الواقع الملموس بالإعتبار”. وأكملت “لم توفر وزارتنا الوصية على القطاع الوسائل التقنية لإيصال الدروس الى التلاميذ، يعيشون أحلام يقظة ويصفقون لبعضهم البعض متجاهلين المعوقات الحقيقية التي نواجهها كأساتذة، فعلاوة على صعوبة التفاعل مع التلاميذ وضبطهم فإن الأساتذة وصلوا في أيام معدودة إلى حالة من الهستيريا بعد أن توزعت أرقامنا على التلاميذ وتحول الواتساب من وسيلة للتواصل الشخصي إلى أداة للضغط. مئات بل آلاف الرسائل الصوتية التي تصلنا يومياً أقل رسالة صوتية فيها عشر دقائق ناهيك عن المردودية الهزيلة والضغط الذي يمارسه علينا مدراء المدارس. واليوم تعج مجموعات الأساتذة في تطبيقات التواصل الفوري بدعوات إلى ايقاف التعليم كلياً، فحتى لو استطعنا اعطاء الدروس افتراضياً فإنه من الصعب التأكد أن الدرس قد وصل إلى التلاميذ على النحو المطلوب”. وأضافت “كما أننا كأساتذة نرفض أن نشرح الدروس لفئة اجتماعية معينة دون أخرى، لا نريد أن نشرح الدروس فقط للتلاميذ الذين يملكون القدرة على الدرس دون التلاميذ غير القادرين مادياً، وإلا سنكون مشاركين في جريمة ترسيخ الطبقية الإجتماعية! فكفاكم مكابرة في الوزارة باجراءات لا تتماشى مع الواقع الإقتصادي الحالي للبلاد ولا مع قدرة الطلاب والأهل والتلامذة”
الوزارة: “استجابة موقتة”
أوضح مستشار وزير التربية، ألبير شمعون لـ “نداء الوطن”، أنّ التدابير التي عمل وزير التربية والتعليم العالي الدكتور طارق المجذوب على اعتمادها، بما خصّ فتح ثلاثة مسارات للتعليم عن بُعد، هي تدابير استثنائية واستجابة موقتة لظرف استثنائي يمر به العالم أجمع وليس فقط لبنان، وأنّه امتثل للتدابير التي اعتُمِدت عالمياً في مرحلة “تفشي فايروس كورونا”. كما استغرب الحكم على التجربة بعد مرور مجرد أسابيع على اعتمادها، واعتبر أنه من المبكر الحكم على اختبار تلامذة لبنان لتجربة “التعليم عن بُعد” سواء بالنجاح أو الفشل. وأشار الى أنه “يجب على الأهل والأساتذة التعاون معنا واعطاء الوقت الكافي لهذه التجربة فهي خطوة جديدة أُجبرنا على اتخاذها احتكاماً للظروف. لا بل نشدد على أن الوزارة لم تخلق منظومة تعليم بديلة كما يتم تصوير الأمر بل أوجدنا تدابير مرحلية فقط بانتظار انتهاء الأزمة الصحية في البلاد وتوقف الحجر الإجباري. ونحن على علم تام أن التكيّف مع فصول الدروس الإفتراضية سيكون محفوفاً بالتحديات، فهناك ثغرات عدة علينا العمل معاً على معالجتها وإصلاحها لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة، أما التقييم فسيكون بعد عودة التلاميذ إلى مدارسهم وثانوياتهم” وقال “لا شك أنها فرصة جيدة علينا اغتنامها لتخطي المسافات والظروف الصحية للبلاد وسنعلم بعد انتهاء هذه المرحلة اين كان الإخفاق وأين يكمن التميز بعد الممارسة، وعلينا بعد تقييمنا لهذة المرحلة التي نمر بها قسرياً ان نستفيد منها قدر الإمكان، فاليوم تحولت كل بقعة من لبنان مقعداً دراسياً ومنصة تعليمية”.
وعمّا اذا كانت نتائج امتحانات التعليم عن بُعد ستُدرج بعلامات التلاميذ لهذا الفصل، أعلن أن الحديث عن العلامات وتقييم التلاميذ لا يزال باكراً وأن الهدف من تدابير الدروس الإفتراضية واستكمال الفصل “اونلاين” لم يُتّخذ الا لإبقاء الطلاب في “أجواء التعليم” وللإستفادة قدر الإمكان من الوقت في زمن الحالة الطارئة التي أجبرنا على الدخول فيها خوفاً من تفشي فايروس كورونا في المدارس والثانويات” أما عن الشهادات الرسمية فأصرّ شمعون على أنه ما من سيناريو الغاء للامتحانات الرسمية يلوح في الأفق بل بالعكس، علينا أن نتمسك بإجرائها”
رأي الأهالي والأساتذة
للأسف يبدو أن التطبيق على الأرض مختلف جداً عن النظريات المطروحة في أزقة الوزارة وهناك توجّس واضح عند الأهالي من فرز تفاوت طبقي، وتقول الأم ملاك فراج لـ”نداء الوطن” أن الوزارة تتعامل مع الواقع كما لو أننا في بلاد متقدمة متجاهلة أننا غير مهيئين لا تقنياً ولا مادياً ولا نفسياً لهذا النظام التعليمي “الغريب عن الأهالي” وشرحت أن لدى أختها أربعة أطفال لا يملكون هواتف ذكية وأنها لا تستطيع التواصل عبر رقمها مع كل الأساتذة حتى بالمداورة.
ويعتبر عبد القادر الأيي من رابطة طلاب الشمال أن فرصة التعلم عن بعد في لبنان غير جدية وقال لـ”نداء الوطن” لسنا ضد مبدأ التعليم عن بعد انما مع حق وصول المعلومة لكل الطلاب وفي لبنان لا يحصل هذا الامر مع النظام المتبع. وبعد شهر من التجربة أستطيع الحسم أن هذه الطريقة غير مجدية وتواجه معوقات عدة في آلية إيصال المعلومة وشرحها إفتراضياً. إذ أننا نفتقد في لبنان الاسس والبنى التحتية التي من شأنها أن تنجح هذا النظام، مثلا، سرعة الانترنت وشبكة الهاتف شبه الغائبة في المناطق القروية البعيدة عن محطات الارسال كما أن معظم الطلاب الذين هم دون صف الشهادة الرسمية لا يمتلكون هواتف ولا أجهزة كومبيوتر ناهيك عن ان هناك غياباً لقدرة الاهل على متابعة الاولاد لان البعض منهم امي والبعض الآخر غير متعلم بشكل يساعده على إعادة الشرح للاولاد.
دراسة تقييم لـ”نداء الوطن”
لذا وجهت “نداء الوطن” لشريحة من الطلاب ما دون الـ 18 سنة، أسئلة حول تقييمهم لتجربة التعليم عن بُعد على أن تكون أسماء المشاركين غير معروفة فشارك في ملء الإستمارة 145 تلميذاً تراوحت أعمار أغلبهم بين الـ 12 والـ 18 سنة، 57% من الإناث و43% من الذكور بينهم حوالى الـ 60% من مستوى التعليم الثانوي و36% من المرحلة المتوسطة والبقية من الصفوف الإبتدائية. أمّا اللافت، فكان الوضع النفسي للطلاب في ظل هذا الأسلوب التعليمي إذ جاوب معظمهم بنسبة 70% أنهم يشعرون بـ”القلق” و17% قالوا إنهم “خائفون” في حين أن نسبة 2% فقط كانوا سعداء و11% مرتاحون.
أما نسبة التركيز فكانت صاعقة، فبسبب المعوقات التي يواجهونها 76% من التلاميذ وجدوا أن مستوى تركيزهم منخفض و23% تركيزهم معتدل وحوالى الـ1% فقط منهم عندهم تركيز عال على الدرس الإفتراضي. 37% من التلاميذ لا كهرباء لديهم معظم الوقت “أقل من 18 ساعة في اليوم بلا كهرباء” وهناك امتعاض كبير من أن الصفوف لا تكتمل في أغلب الأحيان بسبب الكهرباء.
ورداً على سؤال “هل لدى كل تلميذ في العائلة هاتف جوال خاص كي يستخدمه للدراسة؟” كان الجواب أن أغلبية تتمثل بحوالى 47% يستعملون هاتفاً جوالاً واحداً أو اثنين وبالمداورة بين الأخوة و9% لا يملكون هواتف ذكية في المنزل للإستعمال بهدف الدراسة و 19% لديهم هواتف لكنها قديمة ولا يملكون القدرة على شراء هاتف جديد في حين أن حوالى 25% من التلاميذ فقط لديهم هاتف جوال خاص بهم يستطيعون استخدامه للدراسة. على المقلب الآخر أكثر من نصف التلامذة لا يملكون جهاز كومبيوتر في البيت (حوالى 58%) تليها نسبة 26% منهم يستعملون جهازاً واحداً بالمداورة و 12% يملكون جهازاً قديما غير فعال و4% فقط لديهم جهاز لابتوب خاص بهم للدراسة مما يوضح تفاوت فرص التعليم بين الطلاب. أما حوالى 74% فقط لديهم القدرة على الجلوس في غرفة منفصلة عن الضجيج للدراسة.
النسبة المقلقة التي وجدناها في الدراسة العشوائية أن حوالى 79% ليس لديهم باقات انترنت تكفي للدراسة و95% من التلاميذ يواجهون انقطاعاً للإنترنت عند الدرس و81% يعانون من انقطاع الكهرباء عند ساعات الشرح. وفي ما خص الدروس على شاشة تلفزيون لبنان، أكثر من 56% من التلاميذ لا يتابعونها، و99% من التلاميذ يعتبرون أن الدروس على التلفاز “غير كافية” لمتابعة المنهاج الدراسي المطلوب و83% لم يفهموا طريقة تقسيم بث الدروس عبر الشاشة.
بالنسبة للدراسة عبر آليات التواصل الإجتماعي، يقول 75% من التلامذة أنهم لا يستطيعون الدرس دون مساعدة الأهالي في حين 11% فقط من الأهالي مؤهلون لمساعدتهم و89% لا يستطيعون مد يد العون لهم. وفي المحصلة يجد 64% من التلاميذ أن “التعليم عن بعد” نظام سيئ وبدعة أما 35% فيجدون أنه جيد ولكن لا يتناسب مع وضعهم الحالي.
كما عبر التلاميذ عن أن مشاكلهم مع التدريس عن بعد تتمحور في “عدم فهم الدروس، والضغط الكبير، والإنترنت السيئ، وضعف امكانية التواصل المباشر إضافة الى قدم المناهج مما لا يتيح تطوير طرق إيصالها للتلاميذ بالتقنيات المستعملة والتركيز الضعيف وأن الدروس عبر التلفزيون مختلفة عن الشرح المفصل في الصفوف” كما كتب أحد الطلاب وعمره 12 سنة أنه “لا يستطيع القراءة بوضوح رغم استعماله النظارات لأن الحروف على هاتف “الماما” القديم صغيرة جداً وأنه يتشارك مع أخوته الهاتف وليس لديه الوقت الكافي”
وفي نهاية الإستمارة سألت “نداء الوطن” التلاميذ عن الحل الذي يقترحونه للوزير فطلب البعض “اعطاء الإفادات بناء على علامات السعي الأول” وناشد آخرون الوزير بجمع تبرعات عبر التلفاز لشراء اللابتوبات وتوزيعها على الفئات الأكثر فقراً على أن يتم اعادتها للوزارة آخر السنة” واقترح آخر “ايقاف التعليم حتى تحسن الوضع وتطوير المناهج ضمن فترة التوقف بالتعاون مع الأساتذة بدل هدر وقتهم في تعليمنا بلا جدوى إذ أن اغتنام فرصة تطوير المناهج يأتي في صالح التلاميذ وليس اقتطاعاً من سنتهم الدراسية” وطالب تلميذ “بالعمل على حل مستدام للتعليم عن بعد بغض النظر عن وضع كورونا الطارئ” وقالت تلميذة أخرى “أرجو من الوزير تأجيل السنة الدراسية للعام المقبل على أن تبدأ السنة المقبلة قبل أوانها وتقام الامتحانات الرسمية لمن فاتتهم هذه السنة وتستكمل سنتهم الدراسية ٢٠٢٠/٢٠٢١ بعد ذلك، أما للصفوف الأخرى فتستكمل سنتهم الدراسية ٢٠١٩/٢٠٢٠ و تواصلها سنتهم المقبلة” فهل سيسمع الوزير مناشدة الطلاب؟