IMLebanon

النأي في بيروت  لا يسري في نيويورك

قبل أن تتلاحق الأسئلة حول لقاء وزير الخارجية جبران باسيل مع الوزير وليد المعلم في نيويورك، من حيث استطلاع رأي مجلس الوزراء، أو على الأقل رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، الموجود أيضاً في نيويورك، أو من حيث الجدوى والمبرر، انهالت الحصى على نوافذ رئيس الحكومة، من بعض المنابر المشحونة بطاقة الممانعة، الممنوعة من الصرف في المرحلة الراهنة، على خلفية قوله في نيويورك إن قدرات الجيش تسمح له بعمليات دفاعية، لا هجومية، مما اعتبره الغيورون اهانة للجيش، الذي هو قادر، برأي هذه المنابر، على مهاجمة الارهابيين في عرسال وجرودها، لكن السلطة السياسية تشد له الفرامل…

الأوساط القريبة من الحكومة تقول إنها على ثقة بأن السبب المعلن لهذه الحملة ليس هو السبب الحقيقي، الذي ربما كان خيبة أمل بعض الجهات برؤية الرئيس سلام مجتمعاً بالوزير المعلم في هذه المناسبة الدولية، بمعزل عن سياسة النأي بالنفس التي تخطاها الوزير جبران باسيل.

ولا شك بأن رئيس حكومة المصلحة الوطنية، المؤتمن على بيانها الوزاري، ليس ممن يذهبون الى الحج فيما الناس راجعة… ولا ممن ينهون عن أمر ويأتون بمثله. وقد سُئل عن موقفه من لقاء الوزير باسيل بالوزير المعلم، فأكد بأنه لم يطلع على فحوى اللقاء، وهذا موقف بذاته، ليضيف قوله إن لباسيل حساباته السياسية كونه ينتمي الى فريق سياسي، وهو التقى المعلم من دون تكليف رسمي أو غطاء رسمي، ما يمكن أن يعني أن اللقاء كان شخصياً…

وبدا سلام أكثر صراحة في رأيه بلقاء باسيل – المعلم عندما أكد بأنه لم يلتق أي ممثل للائتلاف الوطني السوري المعارض في نيويورك، كما لم يلتق الوزير المعلم الذي يرأس وفد سوريا الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التزاماً بسياسة النأي بالنفس.

وفي يقين الأوساط أن في الجو آفاق حملة عنوانها التنسيق مع النظام السوري ضد الارهاب الداعشي، كما كان عليه الحال في مرحلة مضت، وحجة المطالبين به أن انضمام لبنان الى التحالف الدولي الذي ترعاه الولايات المتحدة، وبمعزل عن دمشق وطهران، يمس بمبدأ النأي بالنفس الذي اعتمدته حكومة سلام، وبالتالي لم يعد ما يمنع بعث آلية الاخوة والتنسيق بين البلدين اذا رغبت الحكومة اللبنانية في استعادة السيطرة على زمام الأمور الدستورية والأمنية، من لجّة الفراغ الزاحف من كل حدب وصوب.

ويبدو ان مشكلة النأي اللبناني بالنفس عما يجري في سوريا، بدأت تواجه النظام السوري في العراق أيضاً، فحكومة العبادي ليست كحكومة المالكي، التي كانت بمثابة الخاتم في اصبع اللواء سليماني، مسؤول الحرس الثوري الايراني في العراق وسوريا ولبنان، والتقدير انه كلما ازداد النأي بالنفس صرامة من جانب العراق ولبنان، كلما ذهب النظام أكثر باتجاه التعاطي الايجابي مع الحلول الغربية للأزمة السورية.

وفي رأي الأوساط ان لبنان لن يستفيد من أي تنسيق مباشر مع دمشق، حتى لو غامر بالموافقة، تحت ضغط كومبارس الممانعة في الجوقة السياسية اللبنانية الراهنة، أولاً، لأن مشاركته في التحالف الدولي رمزية وليست عملانية، ومواجهته لداعش والنصرة، على خلفية خطف العسكريين اللبنانيين، دفاعية كما قال سلام في نيويورك، وليست هجومية، كما يريدها دعاة العودة الى الزمن الجميل!…

فضلاً عن ذلك، فان الحركة الكثيفة لطائرات التحالف فوق سوريا، أثّرت سلباً على حرية حركة قاذفات الصواريخ والبراميل المتفجرة، وربما كان هذا الأمر خارج حسبان النظام.

ومن قبيل الضغط، يلوّح البعض بمخاطر تدهور الاستقرار النسبي القائم رغم الحريق الذي سبّبته أزمة اختطاف العسكريين، ويجاب على هذا بما كشف عنه الرئيس السابق للحزب السوري القومي جبران عريجي، من ان الاستقرار الأمني الذي يحسب بعض اللبنانيين أنفسهم عليه، قياساً على واقع المنطقة المتفجرة، مرتبط بأمن لا أقل من خمسماية جاسوس دولي، يتولون ادارة أزمة المنطقة من بيروت!!