Site icon IMLebanon

النأي لا يصحّ إلّا مع رئيس للجمهورية

إعتراضُ «حزب الله» على كلمة الرئيس تمام سلام في القمة العربية جاء متأخراً، لا فورياً، ما يعني أنّ موقفه خضع لنقاش طويل قبل أن يخرج إلى العلن على طريقة تسجيل موقف من الخطاب وربط نزاع للمستقبل، وليس إدخال البلاد في أزمة حكوميّة.

«حزب الله» أراد توجيهَ رسالة إلى جمهوره ومكوّنات محور المقاومة بأنه لم يُغَطِّ موقفَ سلام في القمة العربية والذي «يعبّر عن قسم من اللبنانيين»، وفق ما جاء في بيان الوزير حسين الحاج حسن والذي يجسّد حقيقة الوضع كما هو عليه، خصوصاً أنّ الحزب كان سبق القمّة بشنّ حملة غير مسبوقة على المملكة العربية السعودية في موقف يعبّر عن القسم الآخر من اللبنانيين.

فلو أراد الحزبُ فعلاً إثارة أزمة حكومية لما أصدر هذا البيان الرامي إلى امتصاص الاعتراض داخل بيئته، ولما أفسح في المجال أمام الاتصالات اللازمة من أجل تطويق هذه القضية، ولما أعلن تمسّكَه بالحوار على رغم حدّة الانقسام الإقليمي-المحلي، بل كان شنّ حملة على سلام ولوّح وتوَعّد وصعَّد وصولاً إلى تعليق جلسات مجلس الوزراء والحوار.

ولكنّ الحزب ليس بهذا الوارد، وذلك لسببٍ بسيط كون مصلحته ما زالت تقتضي التبريد السياسي في لبنان من أجل أن يواصل تفرّغه للقتال في سوريا والعراق وربما اليمن، إنما هذا لا يعني أن يتغاضى كليّاً عن موقف لبنان الرسمي الذي يتناقض جَذرِيّاً مع موقفه وهو شريك أساس في الحكومة، وبالتالي من البديهي أن يُسجّل اعتراضاً من هذا النوع.

وأمّا غير البديهي فهو أن يذهب بموقفه الاعتراضي إلى النهاية لسببٍ بسيط أيضاً وهو أنّ ممثل لبنان في القمة العربية رئيس الحكومة السنّي وليس رئيس الجمهورية الماروني، والفارق هنا كبيرٌ جداً، حيث إنّ الرئيس الماروني كان باستطاعته تحت عنوان تجنّب تحويل الأزمة اليمنية إلى أزمة لبنانية أن يُعلن حيادَ لبنان، وأن ينأى بموقف لبنان الرسمي، وكلّ الدول كانت ستتفهّم الموقف اللبناني، خصوصاً أنها حريصةٌ على أمنه واستقراره، لأنه خلاف ذلك يعني انتقال الأزمة الخارجية إلى داخل المؤسسات وتفجّرها لتنتقل لاحقاً إلى الشارع.

ومن هنا أهمية انتخاب رئيس للجمهورية يكون على مسافة واحدة من السنّة والشيعة، من السعودية وإيران، ومن «المستقبل» و»حزب الله»، علماً أنّ حياد الرئيس يشكل مطلباً بهذا المعنى من أجل الحفاظ على الاستقرار القائم الذي يشكل بدوره مطلَباً سنّياً وشيعياً وسعودياً وإيرانياً.

فالدورُ الذي يستطيع أن يلعبه رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة لا يستطيع أن يلعبه لا رئيس الحكومة ولا رئيس المجلس، ولا بل يشكل مصلحة مشترَكة للسنّة والشيعة والمسيحيين وكلّ اللبنانيين.

وما ينطبق على رئيس الجمهورية لا ينسحب على رئيس الحكومة الذي لا يستطيع أن يعتلي منبر القمّة العربية في لحظة انتفاضة سنّية، لا عربية فقط، ووحدة موقف سنّي استثنائي، لا عربي فقط، وأن ينأى بنفسه عن الموقف العربي والسنّي، لأنّ أيّ موقف من هذا النوع سيشكل إحراجاً كبيراً لتيار «المستقبل» أمام الدول العربية والشارع العربي، خصوصاً أنّ هذا التيار يلعب دورَ رأس حربة خط الاعتدال السنّي على مستوى المنطقة، ولا يمكنه في لحظة وحدة موقف عربي-سنّي اتخاذَ موقف بعيد من بيئته ومحيطه وأفكاره وقناعته.

والأخطر من ذلك أنّ هناك مَن سيُصوِر، داخل الشارع السنّي، موقفَ «المستقبل» بأنه ضعيف ومتخاذل ولا يعبّر عن وجدان السنّة والعرب ويشكك بسنّية «المستقبل»، الأمر الذي يقدم خدمة مجانية للقوى السنّية المتطرِّفة على أنواعها، ويمنحها فرصة تسجيل هدف ثمين في مرمى تيار الاعتدال في لبنان، ويجعلها تستقوي مجدَّداً من خلال رفع منسوب التأييد السنّي لها مقابل تراجع شعبية «المستقبل».

وهذا المسار يتناقض مع التوجه الذي تمّ إرساؤه مع تأليف الحكومة ونجح بشكل سريع ولافت بامتصاص حال الاعتراض وتطويق الخلايا الإرهابية وعزلها، وبالتالي المتضرِّر الأول من إضعاف «المستقبل» اليوم هو «حزب الله»، لأنه سيزيل بنفسه حاجزَ الاعتدال السنّي الذي يتصدى للمتطرِّفين السنّة ويستعيد المواجهة المباشَرة معهم، هذه المواجهة نفسها التي دفعته إلى التنازل لـ«المستقبل» من أجل أن يتَكَفَل بها، فضلاً عن أنّ أيّ مواجهة من هذا النوع تعني تعريض الاستقرار السياسي والأمني والعسكري وبالتالي انضمام لبنان إلى سوريا والعراق واليمن.

وبمعزل عن وضع «المستقبل» كشريك للمملكة العربية السعودية على مستوى المنطقة، فـ«حزب الله» كان سيتفهم موقف الرئيس نجيب ميقاتي لو كان رئيساً للحكومة اليوم واتخذ الموقف نفسه، بل كان سيدفعه ضمناً الى اتخاذ هذا الموقف لعدم الكسر كلياً مع الموقف السعودي-العربي-السنّي.

وانطلاقاً ممّا تتقدّم، أقلّ الإيمان أن يعلن رئيس الحكومة ما أعلنه في القمة العربية، وخلاف ذلك غير طبيعي ومزايدات في غير محلها، وأقلّ الإيمان أيضاً أن يعلن «حزب الله» ما أعلنه على لسان الوزير حسن، وغير ذلك غير طبيعي ومزايدات في غير محلها، وبالتالي من أجل الوصول إلى نأي فعلي للموقف الرسمي اللبناني لا حلَّ سوى بانتخاب رئيس للجمهورية يتموضع على مسافة واحدة من الانقسام ببعديه الداخلي والإقليمي.