بالأمس دخل لبنان الرسمي، رسمياً، في عين العاصفة.. عاصفة «الحزم» العربية. أصبح بجيشه وشعبه ومقاومته الشرعية للسطوة الإيرانية في مهب الرياح الإقليمية المستعرة على امتداد ساحات المنطقة والأمة.
فقرار الرياض القاضي بوقف المساعدات المقررة لتسليح الجيش والقوى الأمنية بموجب هبة الثلاثة مليارات دولار وما تبقى من هبة المليار دولار، جاء فعلياً بمثابة قرار النأي العربي عن لبنان الرسمي رداً على قرار لبنان الرسمي النأي عن الإجماع العربي.. أليست القاعدة العربية الأشهر «العين بالعين والسن بالسنّ والبادئ أظلم»؟
نجحت وزارة الخارجية «العونية»، برعاية «حزب الله» وحفظه، في تحويل لبنان الرسمي إلى «جمهورية فراغ» خارجة عن المنظومة العربية، وتمكنت بسياساتها الناكرة للعرب والكافرة بالعروبة من إلحاق الدولة اللبنانية بالسجن الإيراني الكبير حيث تقبع الرئاسات الثلاث مكبلةً بقيود التعطيل.. وصولاً إلى زجّ المؤسسة العسكرية قسراً في هذا السجن وسوقها مخفورة إلى زنزانة الحرمان من المساعدات العربية «كرمى لعيون سياسات صهر الجنرال» الإيرانية.
وإذا كانت الغالبية العظمى من اللبنانيين مغلوب على أمرها تقف منذ أحد عشر عاماً عاجزة عن العبور إلى دولة الحرية والسيادة والاستقلال، فإنّ الحكومة مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بالانتفاض عنهم ولهم على واقع دولتهم الساقطة مؤسساتياً وعربياً، وإعلاء الصوت مدوياً على مسامع العرب وغير العرب توكيداً على التموضع رسمياً في خندق واحد مع الحق العربي في مواجهة الاعتداءات الإيرانية بلا أدنى شك أو مواربة.
وبلا أدنى شك وبكثير من المواربة، سوف تُسارع طهران في القادم من الأيام إلى محاولة الاصطياد في المياه اللبنانية – العربية العكرة من خلال سلسلة صولات وجولات وتصريحات متباهية بقدراتها التسليحية وبجاهزيتها لتزويد الجيش اللبناني بالعتاد والأسلحة الإيرانية رداً على القرار السعودي بإيقاف المساعدات العسكرية للبنان.. والسلاح سيكون طبعاً موجهاً أولاً وأخيراً إلى صدر الهوية العربية ورأس العروبة اللبنانية بعدما نقلت إيران النووية فوهة بندقية عدائها من الغرب إلى العرب.
هي المواجهة بين العرب وطهران وقد حطت رحالها بقوة على الساحة اللبنانية مخلّفةً فالقاً زلزالياً بين ضفتين لا توجد منطقة وسطى بينهما: إما المحافظة على الهوية العربية وإما التحوّل إلى محافظة إيرانية. مسؤولية كبيرة ألقاها القرار السعودي غير المسبوق على كاهل الدولة اللبنانية لتحسم قرارها وتحزم خيارها في هذه المواجهة، فلبنان لم يعد ذاك الطفل العربي المدلّل ولن تكون خطاياه مغفورة بعد اليوم إن هو تذبذب بين الضفتين، سيما وأنّ العرب فاض كيلهم من المتذبذبين وقرّروا تدفيعهم الثمن مهما كلف ذلك من ثمن.. عسكرياً كان أم اقتصادياً.
اللبنانيون في الوطن والمهجر العربي يعتريهم الخوف والقلق على المصير أكثر من أي وقت مضى، وعينهم تترقب الآتي الأعظم من مصائب وأهوال بعد أن باتوا ليلتهم الأولى أمس في شبه دولة معزولة عربياً يتآكلها الفراغ من كل حدب وصوب مؤسساتي واقتصادي ومالي واجتماعي وحياتي وبيئي وصحي.
.. رحم الله مَن استودعه «هذا البلد الحبيب وشعبه الطيّب».