–
إلى من يصرُّ منذ تحفظه على بعض قرارات مؤتمر القمة العربية الـ٢٦ الذي انعقد في »مدينة السلام« – شرم الشيخ – بمصر ٢٨-٣-٢٠١٥، ومن هذه القرارات؛ القرار المصري؛ الداعي إلى إنشاء »القوة العربية المشتركة« بداعي ان »سياسة لبنان الخارجية« هي »النأي بالنفس« عن »الصراعات العربية« وكأن تشكيل هذه القوة هو من هذه »الصراعات«..!
لتكر بعدها مسبحة »النأي بالنفس« في كل مقررات »الاجماع العربي« في اجتماعات وزراء الخارجية العرب.. حتى غيّب هذا »الفريق« – عروبة لبنان – ومن ثم بدأ يسلخ »لبنان« عن محيطه العربي »هوية وانتماء«.!
حتى أنه وبعد بيان مجلس الوزراء اللبناني الاستثنائي، خرج ليعبّر عن »وجهة نظره« في تفسير »النأي عن النفس« بالقول بأن »الاجحاف الذي نتعرّض له هو ثمن ندفعه لتكريس سياسة إستقلالية تحييدية للبنان، وهناك مواقف لبنانية خرجت من سياسة النأي بالنفس ولكن الموقف اللبناني الرسمي لم يخرج عن موقفه الثابت أبداً«!
ولم يكتف بذلك بل أضاف: »هناك مشكلة حقيقية اليوم مع بعض الدول العربية اذا كانت لا تريد أن تتفهم مواقف لبنان، وعليها أن تحترم سياسة النأي بالنفس«..!
أمام إصرار هذا »الفريق« على تغيّب »عروبة لبنان« عبر »سياسته النأي بالنفس«.. واصراره على تسميتها »سياسة إستقلالية تحييدية للبنان« ساعة يشاء بحسب ما يُشار له، ومن دون أن يستوعب ما هي »سياسة النأي بالنفس« أو »الحياد« في »علم السياسة المعاصر«..
نُكرّر عليه ما أشرنا إليه في قراءة ١٣-١-٢٠١٦، لعل التكرار يعلمه ماذا يعني »الحياد« أو »النأي بالنفس«.
وهو معادلة صعبة التحقيق بحسب »المزاجية« المتبعة في »سياسة لبنان الخارجية« على شاكلة »فريق معين« همه الأساسي تغيّب »لبنان« عن »عروبته« هوية وانتماء بحسب »نظرية المنتصر« أي »الغالب والمغلوب« وكسر »حكمة لبنان« التي أكد عليها الرئيس الراحل »صائب سلام« بعد أحداث عام ١٩٥٨ وهي »لا غالب ولا مغلوب« والتي طُبعت في »الإعلان الدستوري« الصادر في ٢١-٩-١٩٩٠ لتصبح جزءاً من »الدستور اللبناني« الحالي الذي يعمل هذا »الفريق« بعينه على نسفه منذ ١٨-٢-٢٠١٣..
ويعني »النأي بالنفس« في »علم السياسة« – الحياد Neutralité وهو يعني أمرين مترابطين ببعضهما البعض، وإلاَّ كان »النأي بالنفس« – لعبة سياسية يُلجأ إليها »غُب الطلب« من يريد أن يخدم مصالح »الفريق« الذي يمثّل لا أكثر ولا أقل.
و»حياد لبنان« الحقيقي طُرِّح كـ»نظام سياسي« في لبنان في أواخر الخمسينات من القرن الـ٢٠ الماضي.. ثم في أعوام ١٩٦٧ و١٩٦٩ و١٩٧٣.. ثم عاد إلى الظهور طوال أعوام الحرب القذرة ١٩٧٥ – ١٩٨٩، ثم غاب ليعود في عامي ٢٠٠١ و٢٠٠٦.. ثم عاد ليطل مرة جديدة إلى »الصورة السياسية« مع دخول المحيط العربي لـ»لبنان« في عصر »الفوضى الهدّامة«! أو ما أطلق عليه في الغرب زوراً بـ»عصر الربيع العربي«!
على كلٍ، أعود وأشير إلى أن »الحياد« – أو »النأي بالنفس« كـ»نظام سياسي« هو ما تُعرِّفه اتفاقيات »لاهاي الدولية ١٨٩٩ و١٩٧٠ بـ» Neutralité« وهو يعني أمرين مترابطين ببعضهما البعض، إذا فقد أحدهما فُقِدَ الآخر.. ولم يعد »الحياد« حياداً وهما:
١- »تصرفاً حراً تتخذه »دولة ما« بارادتها في نطاق اختصاصاتها المفرزة، ويُطلق على هذا الحياد »الحياد الارادي« الموقت – Volontaire Temporaire – وهو بذلك يتميز عن »الحياد الإتفاقي« الدائم – Conventionnelle Permanente – الذي يمثل حالة »دولة« مُلزّمة بموجب معاهدة دولية (ما) باحترام الحياد، في كل الحالات، وألاَّ ترتبط أبداً بحرب هجومية.
٢- »نظاماً قانونياً يُرتّب مجموعة من الحقوق والإلتزامات على الدول التي تختاره وعلى الدول التي تحترمه بموجب معاهدة دولية.
وفي هذا السياق نشير إلى أن واجبات الدول المحايدة تدور حول نقطتين رئيسيتين وهما: »الامتناع«، و»عدم التحيز«.
وقد تحدد واجب »الامتناع« ابتداءً من نهاية القرن الـ١٨، وهو يُحظِّر على الدولة المحايدة منح أية مساعدة لأحد المتحاربين، إما مباشرة من جانبها كدولة، أو من جانب أفراد هذه الدولة.
ومع ذلك (وتطبيقاً للمبدأ العام الذي يقضي بأن »الحياد« شأنه شأن »الحرب«، علاقة دولة بدولة) فإن الدول المحايدة لم ترد أن تكفل بوسائلها الخاصة امتناع تابعيها عن قيامهم بتصرفات تتعارض مع »الحياد«.
ولذلك اتجه الفقه والعمل معاً إلى فكرة »المخاطرة« – وأرجو أن يُقرأ ذلك جيداً – والتي بمقتضاها يتحمل الأفراد المحايدون مخاطر عملهم إضراراً بأحد المحاربين، الذي له أن »يُوقع عليهم الجزاءات المناسبة لعملهم الضار إخلالاً بواجب »الامتناع«
وهكذا لا تتحمل »الدولة المحايدة« مخاطر تصرفات تابعيها، ولا يترتب عليها أي مسؤولية عن »تصرفاتهم إزاء المحاربين، وواجب الدولة المحايدة الوحيد هو أن »تسحب حمايتها« عن أشخاصها، وأن تترك المحارب المتضرر يتصرف تجاههم حماية لمصالحه.
٣- عدم التحيز Importialité، ويتطلب الحياد كذلك من الدول المحايدة، ان تلتزم جانب المعاملة المتساوية لكل المتحاربين، ولا يوجد ما يسمى بـ»الحياد الخيِّر« أو »المجامل« لأحد المتحاربين، لأن العمل الخيّر أو المجامل هذا، يعتبر عملاً غير خيّر أو مجامل بالنسبة للطرف الآخر!
أما عن حقوق الدول المحايدة فتتلخص في خاصيتين:
١- عدم جواز انتهاك إقليم الدول المحايدة. وهو ما يدخل في اختصاصات »الحرب البرية«، وهو ما عبّرت عنه ديباجة اتفاقية »لاهاي« ١٩٠٧، حينما أكدت على أن: »على الدول المحايدة واجب معروف يقضي بأن تطبق القواعد التي تضعها تطبيقاً غير متحيّز في مواجهة مختلف المحاربين«.
٢- حرية علاقاتها مع جميع المتحاربين، وهو أمر يعني على الأخص الحرب البحرية.
كل الأمل، وبعد هذا »التكرار« أن يكون هذا »الفريق« الذي »ينأى بلبنان عن عروبته« ماذا تعني »الحيادية« أو »النأي بالنفس« في »علم السياسة المعاصر«..!