غاب «لقاء الاربعاء النيابي» في عين التينة يوم أمس بسبب غياب رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن بيروت ومثل لبنان في «مؤتمر اتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي» ومحوره الأساس مدينة القدس.. من باب القدس الحل اطل بري على العالم محذراً من مخاطر إسرائيلية على الحدود الجوبية للبنان.
هناك شبه اجماع على ان الكلمة التي القاها الرئيس بري في المؤتمر، بالغة الجرأة والدلالة، وقد عبرت كل الحواجز والحرمات في مخاطبة الولايات المتحدة الاميركية، التي خرقت كل المحرمات والقوانين والمعاهدات الدولية، في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، وشكلت أكبر تحد للدول العربية والاسلامية والمسيحية سواء بسواء بعد اعلانه القدس (جنة الله على الارض) عاصمة لدولة «إسرائيل» اليهودية.. لكن العبرة هي في النتائج العملية، وقد سبق للرئيس بري، بعيد وصوله الى طهران، ان قال: «ان المسلمين عامة، والعرب خاصة، لا ينقصهم القرارات ولا التوصيات ولا الخطابات والبيانات، بل ينقصهم ان ينفذوا ما يقولونه..»؟!
لم يغب لبنان عن المؤتمر، فقد حضر من بوابة الجنوب، حيث حذر رئيس المجلس من خطورة السماح لإسرائيل، ليس ببناء جدار على الحدود الجنوبية اللبنانية – الفلسطينية فحسب، بل وإقامة هذا الجدار في أراض متنازع عليها وهي ضمن الحدود اللبنانية..، والمفارقة، انه، وفي حين كان رئيس المجلس النيابي يحذر من الجدارات الفاصلة، كانت هذه الجدارات تتزايد المواقف الداخلية اللبنانية وتحديداً بين الرئاستين الاولى والثانية ومن يناصرهما.. على خلفيات يجمع كثيرون على أنها لا تستأهل كل هذا الضجيج وصب الزيت على النار المشتعلة ولبنان أمام استحقاقات بالغة الأهمية، ومحاط بلهيب الحروب الاقليمية المحيطة به..
يبدي عديدون أسفهم الى ما آلت اليه هذه الأوضاع، بل لا يكتمون قلقهم ومخاوفهم مما قد تقود اليه الصراعات المستجدة بين الرئيسين وكل متمسك بمواقفه وكأنها «منزلة من السماء»..
يعود «تكتل التغيير والاصلاح» الى مرجعيات قضائية (هيئة القضايا والاستشارات) التي أصدرت قراراً سرعان ما تلقى رفضاً من الرئيس بري ومعاونيه على خلفية أنها «استشارة بناء للطلب..» على ما قال وهو في طهران..
ليس من شك في ان ما يحصل ليس بريئاً، ولبنان دخل مدار الانتخابات النيابية، والمسألة على ما يرى عديدون، ليست تقنية، بل سياسية بامتياز، و»ليست رمانة.. بل قلوب مليانة».. الامر الذي قد يؤدي الى انعكاسات سلبية على سائر مؤسسات الدولة، وفي مقدمها «الحكومة، التي ضمت كل الاطراف وساهمت في ارساء الاستقرار السياسي، وحتى لو علت داخلها الاصوات المختلفة أحياناً». على ما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته أول من أمس في في القصر الجمهوري أمام رجالات السلك الديبلوماسي المعتمدين في لبنان..
لم يكن ما قاله الوزير مروان حماده لجهة استمرار الحكومة في العمل نظرياً، في جو من عدم التوازن السياسي والتوتر المكتوم او العلني بين المكونات التي عملت على تسوية انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة «استعادة الثقة» مجرد قراءة سطحية لما آلت اليه الاشكالات العالقة بين الرئاستين الاولى والثانية.. خصوصاً وان عديدين باتوا حذرين من ان تتحول الحكومة الى «حكومة تصريف أعمال» بانتظار اجراء الانتخابات النيابية وما ستؤول اليه.. وهي مسألة لم تغب عن «بيت الوسط» على مدى الايام والاسابيع الماضية، في ضوء الحملات المتزايدة من قبل البعض – خصوصاً من «حزب الله» وآخرها من النائب وليد جنبلاط – على العديد من دول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، خلافاً لما تم الاتفاق عليه في الحكومة باجماع مكوناتها تحت عنوان «النأي بالنفس».. التي من المفترض ان «تخفف من التوتر الحاصل مع دول الخليج العربي..» على ما يقول الرئيس الحريري..
في قناعة العديد من المراقبين ان ما يحكى عن تصعيد سعودي متجدد تجاه «حزب الله» هو ردة فعل، أكثر من أي شيء آخر.. خصوصاً وأن اعلام «حزب الله» يضع في أولوياته اليومية النيل من السعودية وقياداتها، الامر الذي قد يعيد خلط الاوراق على الساحة اللبنانية، ان استمرت سياسة خرق «النأي بالنفس» التي يتمسك بها الرئيس الحريري، الذي يتعاطى مع مسألة «حزب الله» على أنها «مسألة اقليمية وأكبر من لبنان..».
«النأي بالنفس» هو خطوة أولى على خارطة حياد لبنان عن الصراعات الدائرة على المستويات الخارجية، العربية والاقليمية والدولية.. على ما يقول الحريري، الذي يسارع الى التأكيد على ان لبنان لا يمكن ان يكون يوماً حياديا مع «إسرائيل»..
وينأى «حزب الله» بنفسه عن الصراع الدائر بين الرئاستين الاولى والثانية.. وهو يدرك ان المخاطر الخارجية التي تهدد لبنان أكثر من ان تعد وتحصى وتحصر في جهة معينة.. وهي مخاطر تحتاج الى «ضبضبة الوضع الداخلي» وتوفير حصانة كافية لقرار الحكومة حول «النأي بالنفس، بتوافق جميع الاطراف السياسية.. والجميع، يدرك المخاطر التي تواجه لبنان، وعلى كل المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية.. على ما يقول الرئيس الحريري كما ويدرك «الصعوبات التي تواجه بعض الدول العربية بقبول التناقضات التي نعيشها في لبنان.. لكن هذا هو الواقع القائم ونحن مرغمون على القبول به..».
يسعى الرئيسان عون والحريري، الى توظيف كل طاقاتهما وجهودهما وعلاقاتهما لمصلحة تطبيق بنود «النأي بالنفس» ودفع الافرقاء كافة الى التزامها فعلاً لدفع المجتمع الدولي لمساعدة لبنان ودعمه، الامر الذي يتطلب شيئاً من اعادة تلميع صورة حكومة «استعادة الثقة» ولبنان على أبواب الانتخابات النيابية، ولا يكون ذلك ممكناً بغير الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي، المبني على «النأي بالنفس»؟!