Site icon IMLebanon

النأي عن السيادة

 

الطريق من المصنع إلى مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان البارحة الممر اللبناني الآمن في الوطن المشرذم بين العجز عن تطبيق إعلان بعبدا والعجز عن إقناع حزب الله بالتخلّي عن المشروع الإيراني والعودة إلى الوطن. تبادَل كلّ من النظام والمعارضة في سوريا المقاتلين الجرحى ومرافقيهم، من الزبداني وقريتي الفوعة وكفريا، ما بين دمشق وريف حلب عبر تركيا وبيروت. طبعاً لبنان الرسمي، المتفرّج الدائم، لم يكن حاضراً في المشهد، والدور الوحيد إقتصر على التدقيق في أوراق المنتقلين وذويهم في المصنع، وسيتكرر هذا المشهد لدى اجتياز مقاتلي الفوعا وكفريا الحدود اللبنانية نحو الأراضي السورية. نأت الدولة بنفسها عما يجري على طريق بيروت – دمشق، بعدما عجزت عن النأي بنفسها عما يجري خارج الحدود. القاعدة السيادية الجديدة هي «النأي بالنفس حيث تقضي السيادة الوطنية بالتدخل، والتدخل حيث تقضي المصلحة الوطنية النأي بالنفس».

المشهد الميداني في سوريا يقدّم مجموعة من الصفقات المتسارعة، التي تمثّل تطابقاً رائعاً في المصالح بين النظام السوري وكلّ من تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. الهدف المشترك إمتلاك مجموعة من الأوراق المؤثّرة، قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات المقبلة المقررة في جنيف في الخامس والعشرين من كانون الثاني المقبل. ومن هنا قد لا يعدو مستغرباً التزامن السلس في تنفيذ هذه الجولة من المفاوضات التي عُقدت بالأمس.

الصفقة الثانية التي كانت مقرّرة قبل اغتيال زهران علوش، بين داعش والنظام السوري، تنصّ على إخلاء أحياء دمشق الجنوبية من أي وجود لمقاتلي التنظيم، وعددهم ألفا مقاتل، ونقلهم إلى الرقة، المعقل الرئيس للتنظيم، تعثّر تنفيذها بسبب صعوبة تأمين الطريق المؤديّة إلى نقطتي الإستلام، في ريف حمص الشرقي وريف حماه الشرقي، قبل إنتقال المقاتلين إلى الرقة وريف حلب الشمالي. هذه الصفقة لم تتطرق إلى مصير الأحياء التي يسيطر عليها التنظيم، وهذا ما يُنبيء باندلاع معارك طاحنة بين النظام السوري والفصائل التي ستبقى في المخيم بعد خروج داعش، سيربحها النظام دون شك، لا سيما إذا تدخلت قوات من الجبهة الشعبية القيادة العامة أحمد جبريل.

الصفقة الثالثة هي وصول عشرات العناصر من جبهة النصرة إلى مناطق يسيطر عليها النظام السوري في درعا، لتوفير ممر آمن لعناصر الجبهة من ريف درعا إلى محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة مقابل إطلاق أسرى إيرانيين من جنوب البلاد. هذا في الوقت الذي تقوم فيه المقاتلات الروسية بقصف منطقة «الشيخ مسكين» التي تشكّل عقدة طرق على طريق درعا- دمشق برغم خلو المنطقة من أي وجود لداعش.

في القاسم المشترك لكلّ ما يجري، وبغياب أي تأثير لإيران، يظهر وكأنّ النظام يحاول تحقيق هدفين: الأول إجراء مفاوضات سريعة لوقف العمليات القتالية كافة في دمشق ومحيطها، وإرساء اتفاقات لوقف إطلاق النار قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بالإضافة إلى محاولة النظام الظهور وكأنّه يتنفس وللمرة الأولى خارج الرئة الإيرانية، وبأنّه قادر على خوض القتال في أطراف البلاد جنوباً وشمالاً. والهدف الثاني إظهار القسم المتبقي من سوريا في شمال وشمال شرق البلاد وكأنّه خاضع للمجموعات الإرهابية عن طريق مساعدة كلّ من الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، التي يُجمع كلّ من الولايات المتّحدة وروسيا كما يُجمع عدد من الدول العربية المتدخلّة في الصراع السوري بالإضافة إلى تركيا على أنّهما فصيلان إرهابيان، على إستجماع قواهما في الرقة ودير الزور وحلب وإدلب.

هل يترافق جنيف3 مع ترسيم غير رسمي لمناطق النفوذ في سوريا بحيث يرتبط مصير الأسد بإنهاء وجود الدولة الإسلامية في شمال وشرق سوريا؟ وهل يشكّل «الإنتصار غير المفخخ» الذي حققّه الجيش العراقي بمساعدة رجال العشائر، في مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، ودون أي تدخل للحشد الشعبي، بداية انحسار التنظيم الإرهابي عن المناطق السنيّة في غرب العراق ولاحقاً قطعاً لخطوط إمداد التنظيم وتواصله مع مواقعه في سوريا؟

أمام هذا المشهد قد يبدو أنّ الدور الوحيد المتبقي للقوى الإقليمية هو محاربة الإرهاب على اختلاف توجهاته الإيديولوجية، ووفقاً للمواصفات الدولية الجديدة التي تعتبر كلّ سلاح خارج الدولة هو سلاح داعشي!!!