IMLebanon

«تنكيد عَيش» الفاسدين ليس مستحيلاً!

أثبت الأسبوع الماضي أن حماسة شابين فقط للاحتجاج على الأوضاع السياسية تكفي لإيصال الصوت. لا تحتاج المجموعات السياسية إلى مال أو إعلام خاص أو ضوء أخضر من أحد، لتحرِج النظام أو توجعه

قبل عامين فقط، كان مروان معلوف وخطار طربيه يستفسران في مقهى في العاصمة التونسية، حيث يعملان، عن أسباب خمول الجامعات اللبنانية وخمود الحركات السياسية والنقابية، مقارنين بين ما كانت الأمور عليه قبل بضع سنوات، رغم القبضة الأمنية وما هي عليه اليوم.

لاحقاً، ما كاد التمديد الأول للمجلس النيابي يطل برأسه، حتى كان معلوف يتسلل وحيداً في اتجاه المجلس النيابي لنصب خيمة احتجاج قبالته، متجاهلاً الحراك التقليدي لبعض جمعيات المجتمع المدني تحت نصب الشهداء. ولم يلبث أن وضع مع طربيه التعاطف الشعبي والإعلامي الذي تلى توقيفه في تصرف «من أجل الجمهورية» كحركة سياسية جديدة. وكانا حاسمين في عدم تطلعهما إلى إنشاء جمعية تضاف إلى قائمة الـ NGO التي تعيش على تمويل السفارات الأجنبية ولأجلها، أو استقطاب الناشطين الذين يتنقلون منذ سنوات من حراك مدنيّ إلى آخر محترمين في تحركاتهم سقف النظام السياسي والاقتصادي.

مقارنة بالقدرات المالية والخدماتية للتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وحركة أمل والكتائب وحزب الله والمردة، عدّ استقطاب «من أجل الجمهورية» عشرات الطلاب الجامعيين مفاجأة إيجابية أولى، تلاها بحث جماعيّ عن الأنشطة التي يمكن تنظيمها من دون أي مصاريف، قبل نجاحهم في تأمين مساحة إعلامية لأنفسهم من دون تكلفة تذكر، متجنبين الخوض في القضايا السياسية الخلافية التي توقّف البلد برمته عندها منذ أكثر من عامين.

الأربعاء الماضي، كان المولود السياسي لهذين الشابين المعارض شبه الوحيد في الشارع لتمديد أكثرية النواب للمجلس النيابي. كان الجمع صغيراً طبعاً مقارنة بحجم الحدث، ولا يملك في روزنامته خططاً مستقبلية كبيرة. إلا أن المعتصمين (أو جزءاً منهم على الأٌقل) لم يكونوا مجرد موظفين في جمعية ما يعتصمون خلال ساعات عملهم الرسمي لإقناع مموليهم لاحقاً بتجديد عقودهم، ولا متفرغين يتقاضون في نهاية الشهر أجراً مقابل نشاطهم الحزبي. ما من بدل نقل هنا ولا بدل اتصالات أو بدل توقيف. ولعل وصفهم بالعشرات مبالغة عددية. إلا أن هذه المجموعة الصغيرة آثرت الأربعاء الماضي كسر الصمت العام المحيط بنا من جهة العمل والمنزل والأقرباء والأصدقاء والطائفة وكل الجهات الأخرى. وكما كانت التظاهرات العونية التي لم يتجاوز عدد المشاركين في غالبيتها، بين عامي 1998 و2004، المئتي ناشط كفيلة بالتعبير عن جو عام يؤثر الصمت في انتظار اللحظة المناسبة، كانت تظاهرة الأربعاء انعكاساً ميدانياً لشتائم الرأي العام «الفايسبوكي» للنواب الممدد لهم. وجد أخيراً من يسعى ــ دون توجيهات من أحد ــ لقطع طريق النواب إلى المجلس النيابي بما توفر له من وسائل بعد ارتفاع سعر البندورة. وبدا أن تحقيق خطوة رمزية على هذا الصعيد لا يحتاج إلى حشد جماهيري ولا إلى ثروة مالية أو تلفزيون وإذاعة وموقعين إلكترونيين ومنشورات ورقية.

كان يمكن إذاً، منذ سنوات قطع طريق عبد المنعم يوسف إلى هيئة أوجيرو، ومحاولة منع سهيل بوجي من الوصول إلى رئاسة مجلس الوزراء من دون مرافقة أمنية، وتكليف مجموعة صغيرة بـ»تنكيد عيشة» كل موظف متهم بالفساد أو بمخالفة القوانين. فأهل المجلس الدستوري الذي لا يبت الطعون المقدمة إليهم معروفو مكان الإقامة، وكذلك من يعطلون مصالح المواطنين ويؤخرون أعمالهم في شتى الإدارات.

حراك الأربعاء الماضي ضعيف وصغير، لكن مقارنة المواكبة الإعلامية والشعبية له بأنشطة أكبر منه بكثير وأهم توحي بأن توجيه ضربات (ولو غير موجعة في البداية) للنظام السياسي القائم ليس أمراً صعباً. الصعب تتكبده القوى السياسية في إقناع أنصارها بأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية بألف خير، ونوابهم يستحقون التمديد لأنفسهم، والتسويات هي الحل الأفضل لتحقيق التغيير والإصلاح.

خلاصة الحركة السياسية الجديدة واضحة: لا معنى لتظاهرك من أجل إسقاط النظام الطائفي ما لم تتظاهر للحؤول دون تمديد النواب لأنفسهم بسهولة، ولا معنى للتظاهرة الأخيرة ما لم تتظاهر لمنع إقرار قانون انتخابات يتيح للنظام الطائفي التجديد انتخابياً لنفسه. لا بد من ملاحقة كل هذه العناوين السياسية؛ ومواكبة أهالي شكا في الوقت نفسه في احتجاجهم الميداني ضد التلوث ومواكبة أصحاب العربات في طرابلس بتصديهم لمن يحاول سلبهم مورد رزقهم الوحيد إلخ… لعل الإيجابية الوحيدة أن ما من فريق سياسي يزاحم على هذا المستوى. الأحزاب السياسية غدت أحزاب سياسيين، نواباً أو مرشحين، ومنتفعين.