IMLebanon

توزيع المساعدات: هيئة الإغاثة والجيش فوق المراقبة!

 

 

منذ الثلاثاء 7 تشرين الجاري، تتولى لجنة الطوارىء الحكومية تسلّم المساعدات الدولية والعربية وتوزيعها على النازحين، ضمن آلية محددة عبر المحافظين، وانطلاقاً من جداول بأسماء النازحين وعددهم في كل نطاقٍ بلدي، على أن يضع المحافظ بين يدي اللجنة جدولاً بعملية التوزيع. في موازاة ذلك، هناك جهتان رسميتان توزّعان المساعدات أيضاً، هما الهيئة العليا للإغاثة برئاسة اللواء محمد خير والجيش اللبناني.

تتولى الهيئة حصراً توزيع الفرش والبطانيات. وقد توافرت لـ»الأخبار» معلومات تؤكد أنّ مخازنها في البيال «تحتوي على كمياتٍ من الفرش والبطانيات التي لم توزّع»، في وقتٍ تتواصل نداءات الاستغاثة من عائلاتٍ نازحة تفترش الأرض في المدارس أو في المنازل التي لم يُدرجها أحد في سلم أولوياته، ما يثير أسئلة حول الشفافية التي يفترض أن تمارسها الهيئة تجاه الرأي العام، سيّما أنها لا تصدر تقارير حول ما تتسلّمه ولا حول ما توزّعه. وهنا ينبغي على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ممارسة صلاحياته لجهة مراقبة عمل الهيئة، خصوصاً أنّ الحكومة كانت قد رصدت لها مبالغ مالية لشراء الفرش قبل توسع العدوان الاسرائيلي في 23 أيلول، إلا أنها لم تفعل إلا بعدما وقعت الواقعة، واحتكر تجّار الأزمات الاسفنج، فاضطرّت لشرائها بأسعار أعلى وبكمياتٍ أقل.

في السياق نفسه، يبرز التعاطي غير الشفاف من قبل قيادة الجيش اللبناني في مسألة المساعدات الدولية التي استلمها ووضعها في مخازنه. إذ ليس معروفاً حجمها ولا ما تتضمنه ولا آلية التوزيع. كل ما يقال عند الاستفسار عن الأمر، إنّ المؤسسة العسكرية تسلّمت حمولة طائرتين أردنيتين اشترطت السلطات الأردنية التنسيق مع الجيش اللبناني في شأنهما، إضافة إلى طائرة ثالثة من إحدى دول أوروبا الشرقية، ووُضعت المساعدات في مخازن الجيش حيث ستتولى المؤسسة العسكرية وضع آليتها الخاصة لتوزيع المساعدات على عائلات العسكريين النازحة (حوالي 50 ألفاً). غير أن قيادة الجيش تتصرف وكأنها فوق المراقبة، إذ لم تبلغ أحداً بما حملته الطائرات، ولا بأسماء وتفاصيل العائلات التي ستستفيد من المساعدات، ولا أحد يعلم ما إذا كانت قد بدأت بالفعل عملية التوزيع، علماً أن عشرات من عائلات الجنود تواصلت في الأيام الماضية مع أكثر من جمعية ومركز إغاثة طالبةً المساعدة.

وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن قائد الجيش العماد جوزف عون مستاء من تسلّم رئيس لجنة الطوارىء الحكومية وزير البيئة ناصر ياسين المساعدات الآتية من الخارج، وقد حاول الأمين العام للمجلس الأعلى للدّفاع اللواء محمّد مصطفى التدّخل لدى رئيس الحكومة ليتسلم الجيش بنفسه المُساعدات المخصّصة لعائلات العسكريين الذين نزحوا إلى مراكز الإيواء المخصصة للعسكريين وعوائلهم. علماً أن قيادة الجيش، باستثناء بعض المناطق كما في الدامور وكسروان، لم تخصص مراكز ايواء لكل عائلات العسكريين، بما يسمح باستفادة جميع هذه العائلات، مع أن لدى المؤسسة العسكرية منشآت تسمح باستيعاب عدد كبير من النازحين، من بينها على سبيل المثال 100 ألف متر مربع في الحمام العسكري (المنارة) إضافة إلى مرافق أخرى كثيرة. وبالإضافة إلى تسلّم الجيش كافة حمولات الأردنية، عُلم أنّ «القيادة تطلب بالحصول على نسبة ثابتة من كل ما يصل من مساعدات عربية ودولية إلى لبنان».

 

فرش وبطانيات في مخازن الهيئة العليا للإغاثة لم توزّع

 

إلى ذلك، لم تعمد قيادة الجيش إلى فتح مخزون تعاونية الجيش لتوزيعه على أسر النازحين. أمّا في ما يتعلّق بالمُساعدات الآتية بمبادرات فرديّة للعسكريين حصراً، فقد قرّرت اتّباع المركزيّة في توزيعها بعدما شكّل عون لجنة من الضبّاط لمتابعة هذه المهمّة. ويكون على كلّ من يرغب في تقديم مساعدات عينيّة لعائلات العسكريين النّازحين، تسليمها إلى قيادات ألوية المناطق ومن ثم نقلها إلى مقر القيادة التي تعمل بإشراف اللجنة على توزيعها على المناطق. كما كلّف عون عدداً من الضباط مُتابعة حاجات العسكريين النّازحين وتسلّم المساعدات في كلّ منطقة. رغم ذلك، يشكو عسكريّون من شح المساعدات التي تصلهم، ولفت بعضهم إلى أنّ المساعدات التي وزعتها قيادة الجيش قبل أيام اقتصرت على معجون أسنان!

تسليط الضوء على الجهات العاملة في الحقل الإغاثوي، ومتابعة عملها، مردّه التجربة غير المشجّعة في أعقاب انفجار مرفأ بيروت. فقاعات المدينة الرياضية التي تحوّلت آنذاك إلى مستودعٍ وضع فيه الجيش المساعدات التي تولى استلامها وتوزيعها، شهدت تعفن بعض المواد الغذائية التي لم تُوزّع وكان مصيرها التلف. وحتى فترة قريبة، كان هناك من يسأل عن المستشفى الميداني الذي قدّمته قطر بعد انفجار الرابع من آب، فأتى الجواب وفق مصادر «الأخبار» بأنّ «الأجهزة والمعدات لا تزال موجودة في مخازن المدينة الرياضية، وتحت إمرة الجيش اللبناني، لكنها غير مكتملة، إذ تم التصرف ببعضها به بغير الوجهة المحددة في الهبة القطرية، فيما بعضها الآخر كالفرش والخيم أصبحت في حالة سيئة”.

وإذا كان إعلان حالة الطوارىء، بعد انفجار الرابع من آب، جعل من الجيش الجهة المولجة بتلقي المساعدات من مالية وعينية والاهتمام بمسائل الإيواء، وتسجيل الوحدات السكنية، وتوزيع المساعدات، فإن عدم إعلان حالة الطوارىء راهناً لم يكن ليعفي الجيش من التواجد على طول الطريق بين الجنوب وصيدا في 23 أيلول، لتأمين خروج العائلات التي نزحت تحت نيران العدو، أو الاهتمام بأمن مراكز الإيواء أقله في المناطق التي ترتفع فيها الحساسيات السياسية والطائفية. فالقيادة، التي اختارت إخلاء مراكزها جنوباً منذ اللحظة الأولى للعدوان، فيما قوات «اليونيفل» ترفض الاستجابة للطلب الاسرائيلي بالإخلاء، قررت أن تحصر تدخلها عبر مخابرات الجيش في حدودٍ ضيقة، للتحقيق في بلاغ إخلاء كاذب أو ملاحقة حوادث أو اشخاص معينين. كما أنها لا تلعب دوراً في تأمين نقل المساعدات تاركة للصليب الأحمر بالمهمة، علماً أنها قادرة بعلاقاتها مع الاميركيين، الحصول على ضمانات بعدم استهداف قوافل المساعدات التي يواكبها الجيش.

 

 

مساعدات دولية «فاضية»

بعد عشرة أيام على بدء توزيع المساعدات العربية والدولية التي تصل تباعاً إلى لبنان، بهدف إغاثة النازحين، تبيّن أنّ بعض هذه المعونات في حالةٍ سيئة. فالحصص الغذائية التي وصلت قبل أيام الى مدينة النبطية، مقدّمة من تركيا، كانت عبارة عن صناديق شبه خالية، وجل ما تحتويه خمسة أكياسٍ من الحبوب وكيس طحين (كيلو من كل نوع)، علماً أن النبطية الى ما قبل يوم أمس كانت لا تزال تضم نحو 250 عائلة من الصامدين في منازلهم. محافظ النبطية هويدا الترك أوضحت أن المحافظين لا يفتحون صناديق المساعدات ولا هم يعلمون ما في داخلها. وتجدر الإشارة إلى أن بعض مدارس النازحين في الجبل تسلّمت كميات من الفرش التي جاءت من مساعدات دولية، هي عبارة عن ألواح رقيقة من الاسفنج من دون غطاء حتى. كذلك شكا بعض النازحين والقيّمين على مراكز الإيواء من أن بعض الوجبات الساخنة التي تصل إلى المراكز عبر برنامج الغذاء العالمي غير قابلة للاستهلاك!

 

فوضى التسجيل في البلديات

لم تتوحّد بعد عملية تسجيل النازحين لدى البلديات. ففيما تستقبل بعض البلديات العائلات النازحة، وتُتمّم عملية التسجيل بهدف إجراء إحصاء دقيق للأعداد النازحة إلى نطاقها الجغرافي، لتسهيل عملية توزيع المساعدات عليهم. ترفض مجالس بلدية أخرى تسجيل النازحين، وتقول إنّها لم تُبلّغ بالإجراء، إنّما على العائلات النازحة ملء استمارة إلكترونية عمّمتها غرفة إدارة الكوارث بهدف جمع المعلومات المطلوبة حول تفاصيلهم واحتياجاتهم. عدم توحيد عملية التسجيل يؤثر بشكل كبير على إحصاء النازحين، ورسم خريطة تواجدهم وفقاً للأعداد والاحتياجات، وبالتالي على توزيع المساعدات. عدا أنّ عدداً غير قليل ليست لديه المعرفة بكيفية تعبئة الاستمارة، أو لا يفضّل نشر معلوماته على منصة لا يعرف من له صلاحية الولوج إليها، ويفضّل التسجيل اليدوي لدى البلديات. بالمقابل، بعض المجالس البلدية، ترفع الصوت حيال هذا الخيار، على خلفية أن لا فرق عمل لديها قادرة على إنجاز عملية التسجيل، سيّما أن بعض البلدات استقبلت آلاف النازحين.

 

السوريون في مراكز الإيواء: لا تسجيل ولا تدقيق

فيما كان مُفترضاً أن تهتم المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين بإيجاد مراكز إيواء للسوريين الذين نزحوا من المناطق التي تتعرّض للعدوان الإسرائيلي، تبيّن أن أعداداً كبيرة من هؤلاء حلّوا في مدارس رسمية هي في الأصل مُدرجة على لائحة وزارة التربية ولجنة الطوارئ الحكومية كمراكز إيواءٍ للنازحين اللبنانيين حصراً. فعلى سبيل المثال، في مدرسة واحدة في مدينة طرابلس يوجد 500 نازحٍ سوري، وعدد أقل في أحد مراكز الإيواء في أرض جلول وغيرها. الإشكالية تكمن في أن لجنة الطوارئ عندما نسّقت مع المفوّضية، اشترطت أن تتكفّل هذه الأخيرة باستئجار مبانٍ للسوريين، بالإضافة إلى إمكانية نقل أعدادٍ قليلة إلى بعض تجمّعات السوريين في المناطق الآمنة، بهدف إخراج جميع العائلات والأفراد الذين افترشوا شوارع بيروت (غالبية العائلات سورية). وشدّدت لجنة الطوارئ على أنّ كل سوري تشمله عملية النقل، وتأمين مسكن له، بمعزل عن نوع المسكن (في مبنى خاص تستأجره المفوّضية أو في مجمعات السوريين)، يجب أن يكون مسجلاً رسمياً لدى المفوّضية، وأن يتم التحقق من أنه نزح فعلاً من منطقة غير آمنة، وهو ما لا يحصل، لا في المدارس التي فرض السوريون وجودهم فيها بحكم الواقع، ولا في المجمعات التي انتقلوا إليها.