IMLebanon

خلخلة النظام، وليس إسقاطه!

“عظمة” اللبنانيين، ونقطة ضعفهم، في آن، انهم يعرفون ما في عمق بعضهم البعض، الى حد أنهم باتوا قاصرين عن ابتداع ما “يبلفون” به بعضهم بعضا: نضب التذاكي بعد ما جف الذكاء لدى سياسييهم، او من فرضتهم الظروف على السياسة.

فالانطباع الاول، عن تحرك نهاية الاسبوع الماضي، هو نفسه الانطباع، المتأخر اليوم، عن اضراب طلاب الجامعة اللبنانية الشهير عام 1972. يومها تحولت المطالبة بمبنى موحد للجامعة اللبنانية، الى المطالبة بإسقاط الحكومة والنظام: امتطى أهل السياسة المطلب الجامعي المحق، لا سيما منهم الباحثين عن ثغرة ينفذون منها الى هدم الدولة. وما هي إلا 3 سنوات حتى دخل لبنان حرب السنتين، وحروب السنوات التالية.

هل كان اسقاط النظام سيؤدي الى مبنى موحد للجامعة اللبنانية؟ بالطبع لا، فالمبنى الموحد انتظر اكثر من 30 سنة ليقيمه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تصميما منه على ان يكون العلم والاقتصاد درب لبنان إلى التقدم.

يومها، لم تسقط الدولة ولا النظام، لكنهما تخلخلا، ولم يكن الاضراب سوى ضربة في سلسلة ضربات “موضعية” انتهت بالبلاد الى حرب أنهكت، وأنهت، الجمهورية الاولى، وأعطت لكل مخابرات العالم موطئا، ولكل مؤامراتها أبوابا، كان أوسعها التواطؤ العربي- الدولي لفرض هيمنة النظام الاسدي على لبنان وفلسطين، الى ان جاء “اتفاق الطائف”، ثم فتح اغتيال الشهيد رفيق الحريري باب الوحدة الوطنية أمام اللبنانيين. لكن بديل الوصاية سارع الى الظهور في تظاهرة 8 آذار 2005، ولم يتأخر في اعلان هويته الاقليمية، واعلائها فوق كل هم وطني، وقيمي، بدليل دوره المتعاظم في الحرب السورية، خارقا الحدود، والى جانب النظام، خارقا العدالة الانسانية، والمظلومية الحسينية التي يزعم تبنيها.

لم يعد خافيا ان “المؤتمر التأسيسي” الذي يريده الحزب لإعادة تكوين الجمهورية بما يناسبه، ويناسب جمهورية الولي الفقيه، ليس حديث خرافة. ولن يكون إلا بخلخلة النظام بشغور الرئاسة الأولى، وشل الحكومة، وبطالة مجلس النواب. فالإعلام القريب منه لا يتردد في نشر تسريبات من نوع دور لمقاتليه، في النظام الجديد الذي يأمله، على نسق “الحرس الثوري الايراني”. وما الحفاظ على الاستقرار الهش، وخلخلته في مواضيع ومواقيت مدروسة، إلا انتظارا للموعد المأذون في الاجندة الايرانية الاقليمية.

ليس منظمو “طلعت ريحتكم” أقل اخلاصا لقضيتهم من طلاب الجامعة اللبنانية في القرن الفائت، لكن المتلاعبين بمصير الدولة والنظام اليوم، ليسوا أقل خبثاً من عسس مخابرات تلك المرحلة. الفارق ان اللعبة باتت مكشوفة، ولم تعد تنطلي على أحد، وصار اللبنانيون يعرفون كمائنها، ومن ينصبها، وما المندسون، الذين “طلعت ريحتهم”، إلا من نسيجها، ويخدمون “التأسيسي”، عرفوا أم جهلوا.

الشعب يريد اسقاط النظام؟

نعم، لكنه النظام المقنّع المفروض بقوة السلاح غير الشرعي.