في الاقتصاد، لا يوجد فاصل بين سنة وسنة، بل استمرارية يمكن أن تتغير مع تغيّر الظروف والمعطيات. ومن هنا، يمكن الجزم بأن ما ينتظرنا في 2016 يشبه ما واجهناه في 2015 ، مع فارق بسيط، هو اننا سنشعر بضيقة اضافية هذا العام، لأن المؤشرات تتجه هبوطاً منذ سنوات، وبالتالي، فان كل عام سيكون أقسى من السابق، الا اذا حدث ما يعكس المسار، ولو أنه أمر مُستبعد.
في الأيام القليلة المقبلة، سوف تبدأ نتائج كل القطاعات الاقتصادية عن العام 2015 بالظهور تباعا، وهي في غالبيتها غير مريحة، ومعظمها شبه معروف، ولو أن الارقام النهائية تحتفظ دائما بقدرة على التأثير النفسي على الأقل،لدى صدورها رسميا. مع ذلك، هناك بعض الأرقام التي ستبقى شبه تقديرية، وقابلة للاجتهاد بالنسبة الى البعض.
رغم أهمية كل القطاعات، الا ان التركيز يكون دائما على مجموعة محددة من القطاعات، تُبنى على اساس نتائجها، التقديرات المتعلقة بالوضع الاقتصادي في المرحلة المقبلة.
ومن أهم هذه القطاعات ما يلي:
اولا – المصارف، وهي تعتبر المؤشر الاهم على المستوى المالي والاقتصادي. ولا يمكن اعتماد الحركة المصرفية كمؤشر استنادا الى قسم محدد، مثل مؤشر نمو الودائع مثلا. بل ان قراءة الحركة الاقتصادية من خلال النتائج المصرفية، تحتاج الى مقاربة كل الاقسام.
ومن خلال هذا الواقع، يمكن ان نلاحظ ان القروض المصرفية الى القطاع الخاص لم تشهد أي نمو يُذكر في 2015، بما يؤكد ان الاداء الاقتصادي كان ضعيفا الى حد ان المشاريع القائمة لم تستعن بالقروض لتوسعة الاعمال، كما يُثبت ايضا أن نسبة القروض وصلت الى الخط الاحمر قياسا بحجم الاقتصاد، وصار تكبير حجم هذه القروض يُعرّض العمل المصرفي الى الخروج عن المعايير العالمية المعتمدة.
الى ذلك، فان نمو حجم الودائع غير مريح ما دام يتجه نزولا منذ 2011. والملفت حاليا، وقبل صدور النتائج الرسمية، ان هناك فوارق كبيرة في الارقام. وفي حين ان المصادر المصرفية تشير الى نمو الودائع بأكثر من 5%، أي أقل بـ1% مقارنة مع 2014، الا ان بيان اتحاد المصارف العربية عن نتائج المصارف اشار الى نمو 3.5% فقط للودائع. هذا الامر مقلق اكثر، بانتظار توضيح الرقم الفعلي لهذا النمو.
لكن، في كل الحالات اقترب نمو الودائع من الخط الاحمر، بحيث ان استمرار هذا التراجع سيؤدي الى عدم قدرة المصارف على تمويل الدولة والقطاع الخاص في آن. كما أن المشكلة هنا، ان المصارف قد تضطر الى اعطاء الاولوية الى تمويل الدولة، بما يعني حرمان القطاع الخاص، العصب الاساسي في الاقتصاد الوطني، من امكانية النمو وخلق فرص عمل، وتحقيق حد أدنى من التوازن الاجتماعي.
ثانيا – المالية العامة التي تشكّل مصدر قلق رئيسي للاقتصاديين، لن تكون نتائجها النهائية مُطمئنة. والى جانب العجز المتفاقم في ميزان المدفوعات والذي قد يصل الى 2,5 مليار دولار، فان العجز السنوي في الموازنة قد يتجاوز الـ5.5 مليار دولار، وهو رقم قياسي بلغته الموازنة رغم الوفر في ثمن المحروقات والذي قارب المليار دولار.
وهناك قلق من استمرار نمو العجز وفق نسبة مرتفعة بسبب غياب الموازنة، والتمديد لموازنة العام 2005، مع الاضافات السنوية غير المحسوبة وغير المضبوطة التي يتم إدخالها سنويا على المشروع الاساسي.
وما يثير المخاوف أكثر في ملف المالية العامة، هو ان تصنيف لبنان الائتماني قد يتراجع في 2016 الى CCC بما قد يؤدي الى رفع كلفة الفوائد على الدين العام، بالاضافة الى تأثير ارتفاع الفوائد على الدولار، على اعتبار ان الليرة مرتبطة بالدولار، وكذلك القروض بالعملات الاجنبية.
ثالثا – حجم الاقتصاد، حيث يشير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى أن النمو هو صفر في المئة، وهذا يعني ان الاقتصاد اقترب بشكل خطير من النمو السلبي.
ورغم ان تقديرات أخرى تشير الى نمو وصل الى 1 او 1.5 في المئة، الا ان معلومات سلامه تبقى الأدق، خصوصا ان الرجل، وعندما يكون هناك هامش غير واضح، يختار ان يعلن السقف الاعلى وليس الادنى، حفاظا على المعنويات التي تؤثر على الاقتصاد بشكل عام. وهذا يعني ان الحاكم عندما يقول ان النمو صفر، فهذا يعني ان الاحتمالات ربما تكون بين ناقص واحد وصفر.
في النتيجة، هذه النتائج السلبية سوف تستمر في 2016، وقد تتفاقم الا اذا حصلت تطورات ايجابية قلبت المقاييس، ومنها على سبيل المثال اذا حصل تفاهم سياسي متكامل وانتخب رئيس للجمهورية، واذا شهدت التطورات الاقليمية حلحلة، وفي مقدمها الأزمة السورية. من دون صدمات ايجابية من هذا العيار، سيكون الاقتصاد في 2016 اسوأ من 2015.