أمّا وقد انقضت المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في العاصمة بيروت بسلام، والسلام هنا يعني حفظ التوازنات الطائفية لئلا يصيب الخلل تلك الحسابات والتقسيمات المعمول بها منذ زمن، والتي يمكن ان تضيع في المستقبل، فانه من الضروري البحث جدياً ومن دون مواربة وخجل غير مبرر، في تقسيم العاصمة دوائر واحياء.
في منطق الامور القانونية، ان الدوائر الانتخابية في البلديات تكون اصغر مما هي عليه في الاستحقاقات النيابية، لان البلديات هي السلطة المحلية الاكثر التصاقاً بالمواطن، والمولجة رعاية حاجاته اليومية ومصالحه، او هكذا يجب ان تكون. من هنا تقسم البلديات احياء ودوائر او بلديات مصغرة تجتمع في اتحاد بلدي.
وفي لبنان تعتمد القاعدة العالمية نفسها إلا في بيروت. ففي المناطق بلديات في القرى تجتمع في اتحادات بلدية تبقى هي الاخرى اصغر من الدوائر المعتمدة في الانتخابات النيابية. اما في العاصمة، فالامور تنقلب رأساً على عقب، وتصير الدائرة البلدية اكبر من الدائرة النيابية، وفي الامر فشل ذريع وخروج على القاعدة القانونية.
اذاً ثمة حاجة الى اعادة النظر في التقسيمات البلدية لبيروت، لجعلها 3 دوائر في الحد الادنى، كما الحال في الانتخابات النيابية، وذلك لاسباب عدة منها:
اولا: يضمن الرئيس سعد الحريري حالياً التوازن الطائفي كعرف معتمد كرّسه قبله والده الرئيس رفيق الحريري. واذا كان الحريري لا يعتبرها منّة على المسيحيين، فان اي انتكاسة تصيبه في حركته السياسية يمكن ان تطيح معها كل التوازنات ، فيتحول المسيحيون إنْ وصلوا ملحقين تابعين، علماً ان بعضهم يشعر بالامر حالياً.
ثانياً: إن الناس يجب ان يكونوا اكثر التصاقاً بممثليهم الى المجلس البلدي، فيكون المنتخَبون ممثلين حقيقيين للناس يرعون مصالحهم وشؤونهم، ويتابعون تنفيذ المشاريع التي تعني هؤلاء مباشرة في دوائر واحياء محددة. لا يمكن مثلا ابن الاشرفية ان يطلب الخدمة من ابن الطريق الجديدة الذي يشعر بأن حاجات منطقته هي الاولى والاكثر الحاحاً ، والعكس صحيح ايضاً.
ثالثاً: إن الموازنة التي توزع اليوم على احياء العاصمة من دون تساوٍ لا توفر الانماء المتوازن الذي نص عليه اتفاق الطائف، اذ غالبا ما يكون العنصر الافعل، والمدعوم سياسياً، قادراً على فرض مشاريع تهمه وتهم فريقه السياسي ومنطقة اقامته، وغالباً ما تحرم مناطق واحياء اخرى. أما إذا قسمت الموازنة على ثلاث دوائر، تتضاعف الاعمال والانجازات، وتتحقق المحاسبة والرقابة.
إذن يكمن الحل في بيروت في اعتماد 3 دوائر كل واحدة منها تضم ثمانية اشخاص، ويجتمع المنتخبون الـ 24 في مجلس بلدي واحد، او ثلاث بلديات منفصلة تجتمع في اتحاد بلدي يشرف على اعمالها محافظ تكون صلاحياته كما سائر المحافظين، وتحل المشكلة التاريخية في العلاقة الملتبسة ما بين المحافظ والمجلس البلدي.