هل تؤكد عاصفة الفوضى العارمة التي تضرب دولاً في المنطقة منذ سنوات وتكاد تلفح وجه لبنان ما حذّر منه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بقوله في احتفال نظّمه الحزب في وادي الحجير: “إن التقسيمات الجديدة سوف تدخل المنطقة في حروب أهلية وعرقية طويلة لن تكون نتائجها إلا الدمار والخراب والتهجير، وان أميركا تستخدم اليوم تنظيم داعش من أجل تقسيم المنطقة من حيث تعلم داعش أو لا تعلم. فمنذ ما يقارب السنة قلت إن أميركا تريد استغلال داعش من أجل رسم خرائط جديدة في المنطقة، وعلينا اليوم أن نرفض تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ. وهذا ما تعمل عليه أميركا واسرائيل وبعض القوى الاقليمية من حيث تعلم أو لا تعلم، وفي مقدمها السعودية”.
يقول رئيس حكومة سابق تعليقاً على ذلك إنه إذا كان ما يحذّر منه السيد نصر الله صحيحاً فماذا علينا نحن كلبنانيين أن نفعل لدرء خطر التقسيم؟ هل نزيد الانقسام الداخلي السياسي والمذهبي والعرقي حدّة في كل دولة عربية، أم نعمل على تحقيق وحدة الصف والهدف ونقف سدّاً في وجه أي تفكيك أو تقسيم أو تجزئة؟ هل نواصل إشعال الحروب الداخلية خصوصاً بطابعها المذهبي والعرقي أم نوقفها بمصالحة وطنية شاملة وبإقامة حكم عادل لا يميّز في تطبيق القانون بين فئة وفئة بحيث لا تشعر أي منهما بالخوف والغبن كي لا تصبح مستعدة للقبول بأي حلّ وإن سيّئاً؟ هل بممارسة سياسة الغالب والمغلوب والتحريض على الفتنة لاستجلاب خطر التقسيم والتجزئة؟ وهل بعرقلة الحلول التي تنهي الحروب في دول المنطقة توصلاً الى القضاء على هذا الخطر؟
الواقع أن المنطقة تواجه أحد خيارين بعد الاتفاق النووي: إما التوصل الى اتفاق على تقاسم النفوذ برسم خرائط جديدة، وإما بحصول خلاف يحول دون التوصل الى اتفاق على هذا التقاسم فيصبح التقسيم عندئذ هو الحل الذي لا بدّ منه، وقد تكون اسرائيل هي الدولة المهتمة بذلك لأنها تراهن منذ زمن على حصول هذا التقسيم وتعمل له وتحاول إثارة الخلافات حتى على اقتسام مناطق النفوذ في الشرق الأوسط ليكون التقسيم هو الحلّ، وتعمل أيضاً على استحالة تحقيق عيش مشترك بعد حروب دينية قاسية كانت هي تشجع على إشعال نارها، ما جعل كل دين أو عرق يفضل العيش بمعزل عن الآخر بعدما أصبحت الأرض خصبة لذلك في أكثر من دولة عربية. فلا الحرب في العراق بوجهها الطائفي توقفت لتعذر التوصل الى أي حلّ لها، ولا الحرب في سوريا توقفت لأن كل الحلول المقترحة لوقفها فشلت، ولا شيء يدل على أن الحرب في اليمن ستتوقف قريباً إلا بتقسيم كل دولة من هذه الدول بحيث يصبح هو الحلّ بعد كل حرب داخلية، كما ان لا حل للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي إلا بتقسيم فلسطين بين دولة “يهودية” ودولة فلسطينية وعندها تصبح التسمية “اليهودية” مقبولة ولا تظل مرفوضة في مقابل تسمية “الدولة الفلسطينية” و”الدولة الكردية” و”الدولة العلوية” وغيرها. وقيام هذه الدول يجعل الأقليات تطمئن الى مصيرها ولا تظلّ عائشة بخوف مقيم في نفوسها، وتكون الثورات العربية ضلّت طريقها وفقدت أهدافها.
لقد تحدث رئيس الأركان الأميركي المتقاعد الجنرال رايموند أوديرنو عن تقسيم العراق كحلّ وحيد لمشكلات الشيعة والسنّة، خصوصاً بعد مقتل الآلاف في حرب طائفية اتخذت شكلاً بشعاً. وكان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن طرح عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ إنشاء دويلات شيعية وسنية وكردية في اطار كونفيديرالية لتجنب الحرب الطائفية. وكان مسؤول روسي كبير كشف في حلقة خاصة أن دولة خليجية أساسية لم يسمّها عرضت على بلاده مخططاً لتقسيم اليمن. ويذكر أن الرئيس الراحل كميل شمعون قال عندما سئل إبان حرب الـ75 إن “لا خوف من التقسيم في أي مكان إلا إذا وقع في العراق”.
هل تساءل القادة في لبنان الى أين يذهبون به وهم يحركون الشوارع، ولكل شارع قضية وشعار؟ وكيف يحافظون على الوحدة والعيش المشترك ويعملون على إبقائه خارج الفوضى الهدّامة وتجنيبه خطر الفراغ الشامل الذي يقوده الى المجهول إذا لم يتفقوا على حلّ يخرجه من أزماته ليبقى خارج التقاسم والتقسيم؟