تعميم يمسّ “نعمة” المساهمين ويخدم شركات “محظيّة” من أصل خمسين
عندما يُمنع المساهمون في شركات التأمين من سحب أرباحهم، وعندما يتمّ ذلك بقرار خارج عن مجلس إدارة الشركات أو جمعياتها العمومية، ففي ذلك أكثر من علامة استفهام حول طبيعة النظام الاقتصادي الذي انزلقنا اليه.
يُذكّرنا التعميم الأخير لوزارة الاقتصاد والتجارة بالتدابير الاستنسابية لا سيّما تلك المتعلّقة بالـ Capital Control والتي شهدها القطاع المصرفي في الفترة الأخيرة وأصبحت القلق الأول والأوحد للمواطنين كافة. فقد أصدر وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه تعميماً حظّر فيه على هيئات الضمان العاملة في لبنان توزيع أنصبة الأرباح على المساهمين العائدة الى العام الماضي المنتهي في 31/12/2019 أو تلك المتراكمة خلال الاعوام السابقة.
وحظّر التعميم أيضاً على هيئات الضمان تسديد أية مدفوعات لأيّ شخص طبيعي أو معنوي مرتبط بها أو بمساهميها ( Related Party) أياً كانت طبيعة هذه المدفوعات، شكلها ومبرراتها، قبل الاستحصال على الموافقة المسبقة للجنة مراقبة هيئات الضمان. كما يتوجّب على الهيئة البتّ بالطلبات المعلّلة الصادرة في هذا الشأن في مهلة أقصاها 5 أيام عمل من استلامها بشكلٍ مكتمل وكافٍ.
عدم الصلاحية
لكن يبدو أنه قد فات الوزير الجديد أن قانون تنظيم هيئات الضمان لم يمنح لجنة مراقبة هيئات الضمان صلاحية منع شركات التأمين من توزيع الأرباح فيكون تعميم وزير الاقتصاد بهذا الصدد غير مسند إلى أي مادة قانونية تجيز له ذلك.
إلى ذلك، فإنّ تشبيه هذا الإجراء بذلك الذي اتخذ من قبل حاكم مصرف لبنان لا يجوز، إذ أن المصارف خاضعة لقانون النقد والتسليف الذي نص على إمكانية اتخاذ مثل تلك التدابير سنداً للمواد 70، 174 و175 منه. وإذا كان قرار حاكم مصرف لبنان أتى بعد مشورة أجراها مع جمعية المصارف إلا أن وزير الاقتصاد والتجارة لم يستشر جمعية شركات الضمان في هذا الخصوص.
المادة الثانية من التعميم مبهمة وغير قابلة للتطبيق إذ لم يحدد إطار حظر تسديد أموال ومبالغ لجهات مرتبطة بشركات التأمين كما أنه لم يحدد من هي الجهات المشمولة في الحظر إضافة إلى ما تقدم إن هذا المنع غير مسند أيضاً إلى أي نص قانوني.
عيوب قانونية
عن الموضوع يوضح مرجع قانوني لـ”نداء الوطن” أنّ “تعميم وزير الاقتصاد والتجارة قرار تنظيميّ بامتياز وهو نافذ منذ توقيعه ولكن تشوبه عيوب قانونية. ففي المضمون هذا القرار مخالف للدستور الذي يكرّس حرّية الاقتصاد”. ويضيف المرجع: “لا يندرج قرار كهذا من ضمن صلاحيات الوزير الذي يقوم بالتدخّل بعمل شركات التأمين وكأنه مدير عام أو رئيس مجلس إدارة. من هذا المنطلق، يُعتبر هذا التعميم ساقطاً لا بل منعدم الوجود بما أنه مخالف للدستور. وعليه، يمكن لجمعية شركات الضمان أن تلجأ الى الجهات القضائية المختصّة متسلّحة بهذا التدخّل بسير أعمالها الخاصة”.
ليس قرار الوزير هذا إذاً سوى قرار شعبوي يحاول من خلاله تدمير قطاع حيويّ كقطاع التأمين يحوي نحو 50 شركة لصالح قلّة من الشركات المتعثّرة.
فبحسب المعلومات التي حصلت عليها “نداء الوطن” من مصدر مطّلع، “تُعارض الغالبية الساحقة من شركات التأمين هذا القرار الذي جاء بمثابة خدمة إنقاذية لشركتين كبيرتين تعانيان من مشاكل مالية إضافة إلى أربع شركات أخرى صغيرة”. ويشير المصدر الى أن “هاتين الشركتين الكبيرتين بالذات هما من أضخم الهيئات العاملة في القطاع ولهما شراكة أجنبية، وذلك يعني أن الوزير فضّل إنقاذ شركتين اثنتين على حساب القطاع ككل”.