«أريد أن أتحوّل كلّياً الى رحمتك، وأن أكون انعكاساً حيّاً لك، إلهي، بعظمة قدرتك الإلهية، لتعبر رحمتك اللامتناهية قلبي، إلى قريبي». في تاريخ الكنيسة العديد من الأمثلة عن الرحمة الإلهية، والمثل الجديد عن هذه الرحمة، في يومنا هذا، ساهمت به الأخت القديسة فاوستينا.
الأخت إيلينا كوفالسكا، رسولة الرحمة الإلهية، الطفل الثالث في عائلة ماريانا وستانيلو كوفالسكي، من قرية غلوكوفيسك، في بولندا. ولدت في 25 آب 1905. نشأت في عائلة مسيحية ملتزمة.
رفضت عائلتها انضمامها للدير، إلّا أنّها دخلت إلى دير راهبات سيدة الرحمة في وارسو عام 1925 عن 20 سنة. كان نذرها الأول حول «العفة والفقر والطاعة».
ظهر لها يسوع عدّة مرّات، طالباً منها رسم صورة الرحمة الإلهية، وتحديد الأحد الأوّل بعد عيد الفصح عيداً لهذه الرحمة. كما شفاها يسوع من مرضها عبر عمل عجائبي، قائلاً لها: «إذهبي وقولي لرئيسك بأنك شفيتِ». لكنّها فضّلت أن تتحمّل المرض، والألم كوسيلة في خدمة يسوع. توفيت في 5 تشرين الثاني 1938، ودفنت يوم عيد الوردية.
«اخترتكِ منذ الأزل»
في حديث مع الأب ميلاد السقيّم، مرسل لبناني خادم رعية الصليب في بزمار، قال لنا: «لقد اخترتك منذ الأزل»، هذا ما قاله يسوع لهذه القديسة المختارة، على مثال أمّنا مريم العذراء.
بنعمة إلهية، خلال زيارة حج إلى بولندا، وعلى خطى البابا يوحنا بولس الثاني، الذي دشنت أوّل كابيلا في العالم على إسمه، في رعية الصليب- بزمار، تقدّمنا بطلب الحصول على ذخائر القديسة ماريا فاوستينا، كونها رسولة الرحمة الإلهية.
هي مرتبطة مباشرة بالبابا القديس يوحنا بولس الثاني، ليس فقط لأنها إبنة بلده، بل لأنه طوّبها وقدّسها وعيّن عيداً للرحمة الإلهية، كما طلب منها يسوع. وكان انتقاله إلى الأقطار السماوية في هذا النهار بالذات، إثباتاً على رؤية فاوستينا للمسيح.
حصلنا على الذخائر، وهي موجودة في غوسطا، في جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، محفوظة إلى جانب العديد من ذخائر القديسين. قيمة هذه الذخائر هي كون هذه السنة أعلنت من قبل البابا فرنسيس «السنة اليوبيلية للرحمة»، (علمنا بإعلان البابا لذلك بعد حصولنا على الذخائر). إذاً، وجود هذه الذخائر ليس صدفة، بل هو بتدبير إلهي، بعد مرور 25 سنة من الكلام عن ظهورات المسيح لماريا فاوستينا.
تجوب ذخائر القديسة ربوع لبنان، من قرى ومزارات دينية، وتُستقبل بالصلوات والإيمان والإعتراف والإرتداد إلى الله. سوف تزور الذخائر المقدسة يوم عيد الرحمة، اليوم الأحد، بلدات حياطة، الغينة وساحل علما.
عجائبها
كانت فاوستينا ترغب منذ صغرها أن تكون قديسة، فكتبت: «يا يسوعي، أنت تعلم بأني منذ صغري أردت أن أكون قديسة، هذا يعني بأنني أردت أن أحبك حباً عظيماً، كما لم تحبك روح من قبل». وكان لها ما أرادت، فنقلت رفاتها إلى الكنيسة في لاجيونيكي في 18 نيسان 1993.
ثمّ أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية، على أثر دعوى عمل عجائبي، يتعلق بشفاء مورين ديغان في ساحة القديس بطرس في روما، وكشفت آثارها على المذبح، تحت الصورة العجائبية للمسيح الرحوم، في مزار الرحمة الإلهية في لاغيونيكي، في كراكوف. ثمّ أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني قديسة في 30 نيسان 2000، بعد دعوى بخصوص شفاء الأب رونالدو بيتال.
لأمّ الرحمة الإلهية مكانة خاصة في روحانية القديسة فاوستينا، علاقنها بها شخصية. في العديد من الرؤى واللقاءات، أظهرت العذراء مريم لها سرّ الرحمة الإلهية في حياتها. فعلّمتها وقوّتها ورافقتها في نبوءتها. فقالت لها: «أنا لستُ فقط ملكة السماوات، لكني أيضاً أمّ الرحمة، وأمكم».
يوم الدينونة
هي الأم الحنونة والمرشدة في الحياة الروحية، علمتها كيف تتأمل حقيقة وجود الله في روحها، وكيف تطيع إرادة الرب، ونعمة حبّ الصليب، بالإضافة إلى معنى كلّ هذه المزايا، التي تقوم على الإيمان بالله، والرحمة تجاه الآخرين.
«لقد رأيتُ أم الله، التي قالت لي: «كم يحب الرب النفس التي تتبع رحمته بإيمان. لقد وهبت المخلّص للعالم. أما بالنسبة لك، فعليك أن تبشري برحمة الله العظيمة، وتحضري العالم لمجيئه الثاني، الذي لن يأتي كمخلص رحوم، إنما كديان.
كم سيكون مرعب ذلك اليوم، يوم الدينونة، يوم الغضب الإلهي، الذي ترتجف منه الملائكة. كلّمي النفوس عن الرحمة العظيمة، ما دمنا في زمن الرحمة. لا تخافي من شيء، كوني مؤمنة حتى النهاية، أنا معك».
كيف نعيش الرحمة؟
تركّز نظرة الأخت فاوستينا على الكرامة الإنسانية بداية، وليس على الحاجات الإنسانية أو على فعل الرحمة. على كيفية عيش فعل الرحمة تجاه القريب، من خلال تجسّد الرحمة فينا.
لممارسة الرحمة المسيحية، لا بدّ من فهم المعنى الحقيقي لها. لأنّ نوعيّة فعل الخير مع الآخر تعتمد على ذلك. في هذه الأيام، هناك العديد من المفاهيم الخاطئة عن الرحمة، وبالنسبة للبعض الرحمة تعني الرأفة والشفقة، وإلغاء العدالة. أما بحسب فاوستينا، فالرحمة الإنسانية مرتبطة مباشرة بالرحمة الإلهية، مصدر ومثل ومحرّك الرحمة الإنسانية.
الرحمة تفرض الوفاء بمتطلّبات العدالة، المقياس الأساس للحب، وتقود إلى عمل محدّد. من كتاباتها: «الرحمة هي زهرة الحب. الله هو الحب، والرحمة هي فعل الرب، إذاً الرحمة هي فعل حبّ».
في حياة القديسة، إنّ عيش الرحمة تجاه القريب يجب أن يأخذ في الإعتبار حفظ كرامة الإنسان المحتاج، وبعدها حاجاته الجسدية والروحية. الكرامة نفسها يتقاسمها المحتاج وفاعل الخير، هذه القيم الجوهرية للإنسان، التي وهبنا الله إياها من خلال خلقنا وافتدائه لنا، هو هذا الإحترام لكرامة المحتاج، الكرامة المعطاة له من الله، ومثبتة من المسيح.
هذا المفهوم للرحمة، النابع من قبل الرب، الذي يرتكز على مكوّنات الكرامة الإنسانية، بمفهوم القديسة فاوستينا، هو طريقة حياة. الرحمة لا تقتصر فقط على أفعال موسمية لمساعدة المحتاجين من حين لآخر، لكنها تعكس السلوك المسيحي تجاه كلّ البشر، الذي يجب أن يتمثّل بفعل الرحمة.
فكم نحن بحاجة في هذا الزمن أن يسكن قلب فاوستينا ورحمتها، في داخل كلّ مَن يشوه إرادة الرب، في علاقته مع قريبه، الإنسان المحتاج، فيبدل الذل والإحراج، بالاحترام والتقدير، والإعتراف بأنّ ما نمتلك هو كله بفعل إرادة الرب، فنعطي قريبنا بإرادته، بتواضع، بخجل من أن يمس عطاؤنا ومساعدتنا له عزة نفسه وكرامته