Site icon IMLebanon

مرحلة الغطس الأعمق والأحمق في غياهب الطائفية.

نكتشف يوماً بعد يوم جملة من المعضلات والمقومات التي ترتبط بها سلامة أوضاعنا في هذا البلد، وكم نكتشف أكثر فأكثر كيف أننا نغطس في غياهب الطائفية والمذهبية المتسلحة بشكل حاد ومتزايد، بالسلاح الطائفي والمذهبي بصورة طاغية ومتفاقمة، حتى لباتت هي الأصل والأساس، وبات المنادي بالنداء الوطني الخالص والصافي، كَذلِكَ التائه في الصحراء، يُعلي الصراخ علّ صوتاً ما يلاقيه، وشخصاً ما يسعفه، فلا يلقى إلاّ الصدى الذي يزيده رعباً وخشية. سنتجاوز العوامل والمعضلات الخارجية والإقليمية وفي طليعتها الوضع السوري المتفاقم والمتراكم والذي تأصَّلت ما بينه وبين أوضاع بلادنا جملة من التوقعات والتحسبات المرعبة، حتى لبات مستحيلا علينا أن نتجاوز الوضع السوري المستفحل لنصل إلى حل ما من دون الوصول إلى حل واضح ومتكامل بات في عهدة الدول الكبرى والوسطى والصغرى وفي طليعتها روسيا وإيران وقد أضيف إليها حديثا، تدخل ما قيد الإعداد والإنضاج متمثل بالإدارة الأميركية الجديدة وعلى رأسها ترامب، والمجهول الذي ما زال يسود خطّه وسياسته وحقيقة مطامحه ومطامعه في هذه المنطقة، خاصة وأن الوضع السوري بات ممتزجاً إلى حدٍّ بعيد، بالوجود الإسرائيلي وهمجيته التي شرعت بنهش أراضي القدس والضفة الغربية وتحولها بموجب قرارات عشوائية صادرة عن نتانياهو وزبانيته من اليمين الإسرائيلي المتطرف، خاصة وأن ترامب مقبل إلى هذه المنطقة بمنطق اسرائيلي صرف، عنوانه الأساسي نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وسط هذه الوقائع المخيفة التي تخلط أطماع الدول الكبرى بهذه المنطقة من العالم، تبرز جملة من الخصائص اللبنانية المحضة، التي تقف حائلا حتى الآن وحتى إشعار غير معلوم المدى والنتائج، وجميعها تبدو للناظر البعيد سخيفة الطابع والواقع والأثر، ولكنها على المستوى اللبناني العام، تبقى الظاهر الملموس والحائل الأهم الذي يقف في وجه إيجاد الحلول الجذرية لانطلاقة ما لهذا البلد تضعه على سكة السلامة، ولنبدأ بأهمها: الوضع الطائفي والمذهبي الذي يزداد عمقاً واستفحالاً، إلاّ أننا قبل ذلك، سنتجاوز جملة من العوامل الداخلية هذه المرة والتي يضحك علينا العالم كله عندما يعتبرها في طليعة مشاكلنا وقضايانا التي تفرمل منذ سنوات عديدة مسيرة الإصلاح والتغيير والإنتقال إلى مرحلة البلد القابل للتطور، حيث ما زلنا منذ سنوات نعاني من مشكلة النفايات وأخطارها الصحية، فضلا عن مشكلات المياه والكهرباء ووسائل الإتصال الإلكتروني، وعن معضلات الفساد والإفساد التي استفحلت لدينا بشكل خطير حتى لباتت جزءا لا يتجزأ من حياتنا العامة وحتى لبات الزعيم والوجيه الفاسد شخصا شديد البروز والإحترام كلما وجهت له تهمة الفساد بقول او بمقال أو بشتيمة، وجدها أمراً عادياً وقَلَبها إلى شطارة في التصرف يستأهل عليها وساماً وطنياً عالي المرتبة.

كان الكثيرون قد وجدوا في انتخاب الرئيس عون لرئاسة جمهورية، قفزة نوعية تجاوز فيها الوطن مرحلة الفراغ المضنية التي عرّضته للوقوع في براثن المجهول. وأطل إطلالة هادئة ورصينة وطرح مواقف مقنعة بأن هذا الوطن قد بات سائراً على سكّة السلامة، وكانت هناك تحسّبات لما سيلي من الأيام والمعضلات المستجدة وفي طليعتها النظرة إلى قانون الإنتخاب قيد التداول التجاذبات والمشاكسات ما بين الفرقاء اللبنانيين، أحزاباً وجماعات وجزيئات، وهذا أمر أطلقت من خلاله صفارات الإنذار الطائفية والمذهبية ونداءات من وزن «يا غيرة الدين» إلى حدّ أوصل اللبنانيين إلى نتيجة سوداء، مؤداها أن هذا البلد، قد انقلب إلى بؤرة طائفية شديدة الإتساع لا تحرّكها إلا غرائزها المستشرسة، ولا تستقيم فيها الاّ الحسابات المبنية على تحصيل حقوق الطوائف كلها صغيرها قبل الكبير، فإن لم تتم الإستجابة إلى هذا المطلب، وإن لم تضمن كل جهة أن نتائج الانتخابات النيابية المقبلة ستكون لصالحها، وإن لم تتأكد الأغلبيات الحاكمة من أنها ستقود سياسات البلد بشتى السبل المراوغة والمخادعة والهادفة إلى اقتناص المواقع الإنتخابية على حساب الآخرين، فإن الانتخابات النيابية، وهي حصيلة طبيعية ومطلوبة من محاصيل الحياة الديمقراطية، تصبح رجساً من عمل الشيطان، يستحق الثورة عليه والإنقلاب على مبادئه وتحطيم أعمدته، تحت ذرائع ظاهرها سليم ومشروع متمثل بمبدأ المساواة والدولة الديمقراطية والحكم العادل واقتسام المواقع والمصالح بين الجهات المتلهفة إلى ابتلاع ما أمكنها وما تبقى في خيرات الوطن ودون الأخذ بأي اعتبار آخر، مما جعل من الموضوع الشائك المطروح حالياً (الإنتخابات) معضلة وطنية تغور بالبلاد إلى أعماق مؤسفة، منطلقة من وضعية تعزيز اللغة الطائفية والمذهبية بدلاً من تليينها وترويضها ووضع ما أمكن من الحدود لها، وهكذا، فإن معظم الآراء السياسية المطروحة حاليا ومنها القانون الإنتخابي تنطلق من مبدأ مصلحة الطائفة والمذهب هي فوق كل اعتبار، وذلك بصرف النظر عن مبادىء مؤتمر الطائف التي كرست في مبادىء وبنود الدستور اللبناني الحديث، ومنها ما أشارت إليه وسائل الإعلام المحلية خلال الأيام الماضية التي سبقت العودة إلى التلاسن حول مبدأ المناصفة ومبدأ وقف عملية العد السكاني الإحصائي التي كرستها جهود الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبقدر ما كانت مداخل الرئيس عون إلى استلام السلطة منطقية ومريحة، بقدر ما تبرز أحيانا بعض الِأصوات التي تدعو إلى التحسب في مواجهة دعوات إلى «الثورة» لإحقاق قانون انتخابي جديد منطلقة على ما يبدو من دعوة سابقة إلى إغراق البلاد والعباد في معمعة الفراغ رقم 2 اللاحق للفراغ الرئاسي رقم 1 والذي رأى فيه البعض وضعية محرِّكة منتجة ستؤدي إلى حصيلة نيابية ناجحة بمفهوم الداعين إليها، مماثلة للعملية الأولى التي استمرت سلبياتها الضاغطة ما يناهز العامين والنصف.

واذا كنا بصدد استعادة الحقوق، من خلال هذه الطرق وهذه الأساليب، خاصة إذا كان للرئاسة الحاكمة المنتجة ديمقراطيا ودستوريا علاقة بها فلا شك أننا سننتقل بالبلاد والعباد مجددا ومجددا، إلى كوع خطير اثر كوع أخطر، ومصير يبعدنا جميعا عن سكة السلامة.