Site icon IMLebanon

«تقسيم» سوريا في الخطاب الأميركي الرسمي

كان لا بد من التوافق الروسي – الأميركي على قرار لوقف إطلاق النار في سوريا حتى يصدر هذا القرار… وقد توافقا عليه فصدر. واليوم لا بدّ من التوافق بين المملكة العربية السعودية وإيران على تنفيذ هذا القرار عملياً على الأرض لينفّذ. وقبل نحو 48 ساعة على بدء موعد التنفيذ يكون ضرورياً معرفة المدى الذي يمكن قد تم فيه التوافق الإقليمي على التنفيذ. إذ إن المعلومات متضاربة حول هذا المدى بين قائل إن كلاً من طهران والرياض قد وافقت وقائل أن لكليهما شروطاً قبل الموافقة. وإن كان الإتجاه الغالب يميل الى الإيجابية.

يحدث هذا في وقت يتحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن إحتمال، تقسيم سوريا… وللمرة الأولى ترد كلمة «تقسيم» على لسان مسؤول كبير في الإدارة الأميركية. وإن كانت الكلمة مرفقة بـ»وإذا» الشرطية: أي أنه إذا إستمرت الأزمة طويلاً فإن تقسيم سوريا يصبح إحتمالاً وارداً.

وإذا كانت واشنطن لم تلهج بالتقسيم رسمياً قبل تصريح كيري، فإنّ المصادر غير الرسمية تناولت هذا الموضوع مباشرة أو مواربة، خصوصاً على مستوى الصحافة وسائر وسائط الإعلام التي لم تكتف بالإشارة الى التقسيم بل رسمت خرائطه العديدة غير مرة.

ويذهب البعض من كبار المحللين في الغرب الى أنّ الطيران الروسي يرسم خريطة التقسيم بطلعاته واستهدافاته التي لا تتقصّد المعارضين كونهم معارضين وحسب إنما كون بعضهم «يتمدد» داخل «حدود» دولة ما.

طبعاً، في مرحلة ما قبل إنفجار الأحداث السورية كان مجرّد التفكير بالتقسيم غير وارد لدى الشعب السوري الذي لم يكن ليكتفي بإصراره على الوحدة (ارضاً وشعباً) بل كان يذهب الى الأبعد في إتجاهين الأوّل أنه لم ينسَ «لواء الإسكندرون» الذي يسمونه في سوريا بـ»اللواء السليب» الذي هو (حالياً) جزء من تركيا. والثاني الإتجاه الوحدوي العربي في سوريا، ولا نزال نذكر كيف أن الشعب السوري بلغ به الأمر حدّ استدراج جمال عبد الناصر الى وحدة مبكرة حتى قبل أن تنضج معالمها، فكانت الجمهورية العربية المتحدة برئاسة ناصر، بعدما تخلّى شكري القوتلي عن رئاسة سوريا وأصبح يحمل لقب «المواطن العربي الأوّل».

وشتان ما بين ذلك الزمن وزمننا الحاضر بعدما تحوّلت سوريا الى «الرجل المريض» في المنطقة ولم يبق طرف إقليمي أو دولي لم يبلّ يده فيها هذه الأيام من دول ومنظمات وأحزاب وحتى ميليشيات وشراذم.

ولاشك في أنّ وقف إطلاق النار يشكل محكاً رئيساً ومفصلياً في هذه المرحلة وتتوقف على تنفيذه أو عدمه مترتبات وتداعيات كثيرة. إلاّ أن الموقف الأميركي يبقى مدار حيرة كبيرة منذ اليوم الأول للأحداث السورية وحتى اليوم. فبينما كان كيري (الذي لوّح باحتمال التقسيم) يتحدّث عن خطة بديلة في حال فشل تطبيق وقف اطلاق النار، بادر ناطق أميركي الى نفي وجود «الخطة ب» الأميركية. وهذان الإعلان والنفي يعبّران أصدق تعبير عن الموقف الأميركي المذبذب الذي تعاملت به واشنطن مع سوريا منذ اليوم الأوّل لأحداث هذا البلد الشقيق.

ومن الضروري أن يفرض التساؤل ذاته عن وقف إطلاق نار يستثني فصيلين مهمين في الحدث السوري ولهما وجود فاعل على الأرض هما جبهة النصرة وتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). وهذا الإستثناء هو، في حد ذاته، مشروع إستمرار الأزمة السورية طويلاً.

وفي المطلق فإننا سنظل نعتقد ونؤمن بأن سوريا عصية على التقسيم، بالرغم من المغريات كلها.