المؤسسات التي ميّزت عهد الرئيس اللواء فؤاد شهاب، وبعده عهد الرئيس شارل حلو، واستفاد منها الرئيس سليمان فرنجية في السنوات الاولى لعهده، قبل ان تحدّ من قوتها الحرب التي اندلعت في العام 1975، لم تكن هي البطلة في خلال 18 سنة، بل كان البطل، الموظفون الذين اختارهم شهاب ليكونوا على رأس هذه المؤسسات، ومعظمهم، ان لم يكونوا كلهم، كانوا موظفين عاديين في الدولة، حملتهم سيرتهم الذاتية ونظافة كفهم واخلاقهم الى هذه المؤسسات، وليس المكتب الثاني، او هذا الحزب، او هذه الواسطة، واذا كانت الادارة العامة في هذه الايام، ومنذ عقود سابقة في اتعس حالاتها، فذلك يعود الى المحسوبية والحزبية والطائفية والمذهبية، التي ابعدت اصحاب الكفاءات عن الادارة المحشوّة بالازلام والمحاسيب، ولن يتم تصويب مسار الادارة العامة من جديد، الا باتباع النهج الشهابي في اختيار الكفاءة والنزاهة والاخلاق في اي ادارة عامة جديدة، وليس كما هو الواقع اليوم، حيث «يتقاتل» المسؤولون لنصرة هذا الموظف لانه من طائفتهم او مذهبهم او من حزبهم، حتى ولو «كان عامل السبعة وذمتها».
الآلية الوحيدة للتعيين، يجب ان تكون سيرته الذاتية للموظف، علمه، اختصاصه، اعماله، صيته، وليس استزلامه لمسؤول، كائناً من كان هذا المسؤول، او انه من هذه الطائفة او من هذا المذهب.
اذا كانت الحكومة جادة بملء المراكز الشاغرة من جهة، وبترشيق الادارة من جهة ثانية، وانا اشك بجديتها، عليها قبل كل شيء ان تطلع على جدول الموظفين، نوعاً وكماً، وهذه الجداول موجودة في مجلس الخدمة المدنية، وعندها تبدأ عملية «الجوجلة والصوصلة»، بين الموجود والفائض او الناقص، وبين الموظف الجيد، والموظف العالة، بخلاف هذه الآلية، «تخبزوا بالعافية».
* * *
بخلاف النهب والهدر والفساد، ثلاث مغاور اوصلت البلد الى هذه المأسوية التي يعيشها اللبنانيون اليوم، وهي بشهادة «سيدر» والمؤسسات المالية، والخبراء، وفق الاولوية التالية، الادارة العامة، خدمة الدين، والكهرباء، يضاف اليها وفي شكل مفجع، التلوث الذي يضرب الماء والهواء وصحة المواطنين، واعداد النازحين السوريين، وعدم استقرار الوضع الامني الذي يبعد السياح والمستثمرين.
اذا كانت الدولة تفاخر بانجاز ما، او انجازات ما، فاي انجاز تحقق حتى الان باغلاق مزراب من هذه المزاريب، واشير تحديداً الى مغارة الادارة العامة، التي تنفق ولا تجني، وهي في معظم الوزارات والادارات، مزراب هدر، ووكر فساد، ولا يحق لاي وزير او رئيس حكومة، او اي قيادة سياسية ان يرفع خيمة فوق رأس مطلق موظف، كبيراً كان او صغيراً. كما هو حاصل في هذه الايام.