IMLebanon

كيف قرأ الاميركيون رسائل نصرالله؟…

قلب خطاب الأمين العام لـ حزب الله السيد حسن نصر الله، في العاشر من محرّم قواعد اللعبة في المنطقة، ورسم خطوطاً جديدة لتعاطي محور المقاومة مع التطورات الجديدة، فأصابت رسائله أهدافاً متعددة، يؤكد العارفون أنها كانت موضع اهتمام ومتابعة لدى الأميركيين، الذين أدركوا أن سياسة التشدد لم تعد مجدية، وهو ما ترجم بإقالة جون بولتون، مستشار الرئيس دونالد ترامب للأمن القومي من منصبه.

 

لا يخفى على أحد أن الأمين العام لحزب الله، تحدث باسم محور المقاومة بأسره، وفحوى خطابه لم يقرأ في تلّ أبيب فحسب، بل تردد صداه داخل أروقة القرار في واشنطن، على حدّ تعبير مصادر غربية، التي رأت أن خطاب عاشوراء «أحدث وقعاً قوياً، وتضمّن أجوبة على رسائل خفية بعثت بها إدارة ترامب في الأيام القليلة الماضية، وتضمنت ما يشبه الصفقة، تقتضي بتقديم الإدارة الأميركية جائزة ترضية للحزب، تبدأ برفع فوري للعقوبات السياسية والمالية عن قيادات الحزب والمتولين القريبين منه، وتصل إلى شطب اسمه عن اللائحة السوداء للعقوبات وتصفيه تنظيماً ارهابياً، مقابل فكّ تحالفه مع ايران، وأن يحصر دوره بالعمل السياسي في لبنان».

 

ما حكي عن هذه «الصفقة» بالخفاء، ألمح اليه السيّد نصر الله، عندما تحدّث بوضوح عن توحيد جبهة المقاومة من إيران الى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وتذكيره بأن اشعال أي حرب ضدّ ايران ستشعل دول المنطقة وتقود الى إبادة شعوب، وهو ما ردّ عليه الأميركيون بجرعة تصعيد عبر إدراج أربعة من مسؤولي حزب الله على لائحة العقوبات الجديدة.

 

لكن اللهجة الحاسمة التي تكلّم بها السيّد، والردّ الأميركي عليها، لم يقفلا الباب على مساعي واشنطن بفتح قنوات تواصل، بدليل اهتمام إدارة ترامب بإرسال موفديها الى لبنان، وتنشيط وساطتها لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، ومحاولة نزع فتائل التفجير بين البلدين، أقلّه في مرحلة يحتاج فيها بنيامين نتنياهو لتمرير الانتخابات على البارد، ويحتاج فيها البيت الأبيض لإعادة ترتيب أوراقه التفاوضية في المنطقة، لا سيما مع ايران، بدليل إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن ترامب يسعى للقاء الرئيس حسن روحاني على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر الشهر الحالي، من دون شروط مسبقة، في وقت بدت طهران أكثر تمسكاً بشروطها، وتربط أي لقاء أو تفاوض بأن يسبقه رفع العقوبات ووقف الحرب الاقتصادية على الشعب الإيراني.

 

ولا تأتي التبدلات المتسارعة داخل فريق عمل الرئيس الأميركي من فراغ، إذ أكد مصدر دبلوماسي أن «إقالة جون بولتون من منصبه، تشكل بادرة حسن نيّة من ترامب، علّها تمهّد للقاء يجمعه بالرئيس حسن روحاني في نيويورك»، مشيراً الى أن «السنة الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي ستشهد جنوحاً نحو الدبلوماسية، ووقفاً للأعمال العدائية ضدّ طهران وحلفائها في المنطقة». ويلفت المصدر الدبلوماسي، الى «تبدّل في سلوك صانعي السياسة الأميركية من الآن وصاعداً، بدليل اللهجة الناعمة التي تحدث فيها بومبيو في مؤتمره الصحافي الأخير، رغم زعمه بالمضي بمراقبة تصرفات ايران»، داعياً الى «التوقف عند مسارعة مسؤول أميركي للردّ على تصريحات نتنياهو التي تعهّد فيها بعد إزالة أي من مستوطنات الضفة الغربية، وضمّ غور الأردن الى «السيادة الإسرائيلية»، وتأكيد المسؤول الأميركي الذي لم يكشف عن اسمه أن «لا تغييرات في سياسة واشنطن حول قضية الشرق الأوسط، وأن البيت الأبيض سينشر رؤيته للسلام بعد الانتخابات الإسرائيلية، وسنحاول تحديد السبل الأفضل لضمان الأمن الذي طال انتظاره وفرص الاستقرار في المنطقة».

 

ما تحدّث عنه السيّد نصر الله تلميحاً، سمعه المبعوث الأميركي تصريحاً، خلال لقائه الرؤساء الثلاثة ميشال عون نبيه برّي وسعد الحريري، وهو أن لبنان «متمسّك بالقرار 1701، لكنّ في نفس الوقت لن يتخلّى عن حقّه بالدفاع عن النفس، إزاء أي عدوان إسرائيلي، والرسالة الأوضح بحسب مصادر واكبت جولات ديفيد شينكر، بأن «تأخير لبنان في التنقيب عن ثروته في النفط والغاز ضمن المياه الاقليمية بسبب تعقيدات الترسيم، لن تجعل «إسرائيل» تنعم بهذه الثروة، ولن يكون هناك نفط لها قبل أن يبدأ لبنان باستخراج نفطه». من هنا فإن الكلام الفصل، بات أبعد من خطاب تعبئة، بل رسم خريطة مرحلة جديدة تنتظرها المنطقة، لم يعد فيها الأميركي وحده المقرر، ولن تكون إسرائيل شرطي المنطقة، بل هي مرحلة التحولات الكبرى التي رسّخت معادلة قوّة الحق في مواجهة حقّ القوّة.