يحاول رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري إثر عودته الى بيروت تسريع تغيّر التحالفات السياسية مجدّداً، كون خلط الأوراق أخيراً لم يوصل أي مرشح الى قصر بعبدا. أمّا حركته باتجاه الحلفاء لا سيما من اختار من بينهم تبنّي ترشيح رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون، وليس مرشحه رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية، فتتسارع هي أيضاً مع الحديث عن حلّ للأزمة السورية يُبقي المعارك على الحدود.
ويسعى فريق 14 آذار الى استباق نتائج وقف الاعتداءات في سوريا، على ما تؤكّد أوساط ديبلوماسية، ليحرّك الملف الرئاسي، ولتأمين حصول الانتخابات خلال أشهر قليلة، على أن يأتي المرشح الذي يدعم ترشيحه أي فرنجية. غير أنّ ما ينوي الحريري الحصول عليه، من الصعب أن يقبل به جعجع من جهة، أو «حزب الله» من جهة ثانية، كما النائب وليد جنبلاط وسواه، إذا ما كان يضمن وقوف رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في صفّه لجهة عرقلة وصول العماد عون الى القصر الرئاسي.
فانتهاء الازمة السورية داخلياً والذي تعمل الدول الخارجية على التوصّل اليه، من شأنه أن يؤثّر على الداخل اللبناني على الصعد كافة، ولهذا لا بدّ للبنان من أن يكون مهيَّأ للانسجام مع الواقع الجديد ومواكبته، ولهذا عليه انتخاب رئيسه ليصبح وضعه ثابتاً ومستقرّاً لا سيما أنّ الشغور الرئاسي إذا ما استمرّ لسنتين (أي حتى أيار المقبل) فإنّ ذلك سيُفقده مصداقيته وثقة المجتمع الدولي به.
من هنا، على النوّاب اللبنانيين، على ما تضيف، استلحاق الأمر وحسم موقفهم وانتخاب رئيسهم بالتوافق فيما بينهم، بغضّ النظر عن إرضاء السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى، لأنّ ذلك سوف يبقيهم في أماكنهم، ويضع الوضع الداخلي اللبناني أمام المجهول، في الوقت الذي يتمّ الضغط فيه على التنظيمات الإرهابية لوقف النار في سوريا تدريجاً ونقل الصراع الى الحدود الى حين إيجاد حلّ نهائي للأزمة فيها.
ولا تتوقّع الأوساط نفسها، أن يوافق أي طرف على تغيير موقفه تجاه مرشحه، علماً أنّ وصول العماد عون أو فرنجية الى القصر الرئاسي، سيجعل فريق 8 آذار هو المنتصر من دون سواه، أكان اعترف فريق 14 آذار بذلك أم لم يعترف. في الوقت الذي تسعى فيه بعض الجهات الخارجية المتدخّلة في الشأن الرئاسي، الى أن يتمّ انتخاب رئيس جمهورية لبنان من دون غالب أو مغلوب لفريق على آخر، بل أن يخرج اللبنانيون من هذا الاستحقاق متوافقين فيما بينهم، وقادرين على التفاهم حول كلّ الملفات الخلافية التي تعيق تقدّم وتطوّر البلاد.
وتجد الأوساط نفسها، أنّ استقالة أحد الوزراء في الحكومة الحالية، وهو وزير العدل أشرف ريفي، تزيد من عدم التوافق الداخلي بلّة، لا سيما أنّ الـ24 وزيراً الحاليين «يمثلون» أو «ينوبون» عن رئيس الجمهورية غير المنتخب منذ 25 أيار 2014، وأن يصبحوا 23 وزيراً أو أقلّ في حال قرّر أحد آخر الاستقالة أيضاً، من شأنه إضعاف هذه الحكومة التي تجمّدت لحين، وعادت الى الحياة لتستأنف عملها وتسيّر أمور المواطنين، على أنّها لا تزال المؤسسة الدستورية الوحيدة في البلاد التي تقوم بمهامها من بين المؤسسات الثلاث أي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء.
من هنا، فإنّ عودة الحريري التي كان يؤمل منها تحريك الوضع الداخلي، أظهرت استقالة الوزير ريفي، والتي هي أول الغيث، على ما تقول الأوساط عينها، أنّها ستؤدي الى فرز جديد للتحالفات، على الأقلّ في ما يتعلّق بقوى 14 آذار الذين غالباً ما يوافقون الرئيس الحريري على مواقفه، باستثناء ترشيحه للنائب فرنجية الذي لاقى اعتراضات عدة من داخل البيت الواحد، وإن لم يتمّ الإعلان عن ذلك بكلّ صراحة.
ويأخذ البعض من فريق 14 آذار على الحريري عدم اهتمامه بجمع البيت الداخلي، وتمسّكه بترشيح فرنجية كأولوية لعرقلة وصول العماد عون الى قصر بعبدا، كون السعودية لا تريده رئيساً لاعتبارات عدّة، منها إصرار «حزب الله» على تبنّي ترشيحه «حتى ولو على قطع الرقاب»، بدلاً من السعي الى تقديم مرشح مسيحي مقرّب من فريقه يمكن أن يسعى لدى المملكة وسواها من الدول المؤثرة في الانتخاب لإيصاله الى كرسي الرئاسة. كما أنّ ترشيحه للدكتور جعجع لم يكن كافياً، إذ لم يتمّ السعي الجدّي لتأمين النصاب القانوني لأي جلسة من جلسات الانتخاب الماضية ولانتخابه بالتالي في الدورة الاولى أو الثانية منها.
وتؤكّد الأوساط نفسها أنّ موقف الحريري لا يزال ملتبساً، وهو لم يعط حتى الآن بعض المتسائلين من فريقه السياسي الدوافع الحقيقية التي تجعله يرشّح النائب فرنجية كونه أكثر المقرّبين من النظام السوري، في الوقت الذي تحاول فيه السعودية إسقاط هذا النظام بشتى الوسائل، الامر الذي دفعها أخيراً الى اتخاذ القرار بالتدخّل العسكري البرّي في سوريا لمساندة المعارضة ضد النظام وجيشه. ولعلهم ينتظرون اليوم التوضيح المباشر من النائب الحريري، علّهم يفهمون أكثر معطيات تبديل موقفه من ترشيح الحكيم واستبداله بفرنجية.