IMLebanon

هل تخلّت أميركا (وليس روسيا) عن الأسد؟

في 23 تشرين الثاني 1990 أي بعد شهر وعشرة أيام على عملية الجيش السوري ضدّ رئيس الحكومة الإنتقالية – قائد الجيش العماد ميشال عون، إجتمع في جنيڤ الرئيسان الأميركي جورج بوش (الأب) والسوري حافظ الأسد. نائب الرئيس السوري وزير الخارجية السابق فاروق الشرع يتحدث عن ذلك اللقاء في كتابه الذي صدر في العام الفائت «الرواية المفقودة» يتحدث (إبتداء من الصفحة) 216 فيقول ان بوش «إنخرط في نقاش طويل مع الرئيس الأسد في جميع المواضيع الساخنة بدءاً من الإرهاب، ولبنان، وإقامة بيروت الكبرى، وحصار عون، وإتفاق الطائف وإنتهاء بمعنى إنسحاب القوات الأجنبية من لبنان، وكان بوش يتحدث بسلاسة ودراية عن لبنان ما حوّله وكأنه يقرأ في كتاب مفتوح».

ويضيف الشرع «ابتدأ الرئيس بوش بالحديث عن الجنرال عون فقال إنه يؤيد ما قامت به سوريا في لبنان، ولكن يرى أن من الأفضل أن يتم السماح له بالخروج الى فرنسا بمبادرة من الرئيس الأسد. وهذا الموضوع لا يلحق ضرراً بمصالح سورية ويحسّن العلاقات السورية – الفرنسية» (…).

إستحضرت هذه الفقرات من «مذكرات وشهادات» فاروق الشرع بعدما كثرت التأويلات والتفسيرات والإجتهادات حول سحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعضاً من قواه الجوية من سوريا، في وقت بدا لكثيرين من «المحللين» السياسيين والاستراتيجيين أنّ الخلاف ضارب أطنابه بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الإتحادية، وأنّ التدخل الروسي في سوريا لم يكن بغطاء أميركي. وتلك تحليلات أقل ما يُقال فيها انها سخيفة أصحابها غير ملمين بالأوضاع والتطورات والاستراتيجيات الفعلية.

إن المؤشرات الجدية كلها تؤكد على أنّ واشنطن ضنينة بالنظام السوري. نقول «النظام» بما يعني امتداد الحرص الأميركي على الرئيس الأسد الإبن إستمراراً لحرصها على الرئيس الراحل المرحوم حافظ الأسد الذي كان «يفرض» على الرؤساء الأميركيين أن يلاقوه الى جنيڤ (منتصف الطريق بين دمشق وواشنطن) كي لا تتأثر «هالته» بأنه توجه الى البيت الأبيض للتشاور والتنسيق.

ومعروف (في عود على بدء) أن اللجنة العربية العليا التي شكلت برئاسة الأمير سعود الفيصل لمعالجة أزمة لبنان في ما بعد «حرب التحرير» التي خاضها الجنرال عون ضدّ «جيش الوصاية» السوري، لقيت صدّاً عنيفاً من واشنطن خصوصاً بعد البيان الذي أصدرته وحمّلت فيه الأسد الأب مسؤولية الأحداث في تبرئة غير مباشرة للجنرال عون. فقد قيل لها في البيت الأبيض: إذهبوا وازيلوا كل كلمة تدين الأسد في بيانكم ثم عودوا إلينا (… والمحاضر موجودة ومعمّمة).

ولم نكن في حاجة الى مذكرات الشرع وشهاداته لنعرف الدعم الذي لقيه حافظ الأسد في قرار ضرب عون في قصر بعبدا.

وفي تقديرنا المتواضع أن الحماية الأميركية للنظام السوري مستمرة (حتى يثبت العكس) مع الرئيس بشار الأسد والى اليوم أيضاً، وربما غداً كذلك.

منذ سنوات طويلة قال لنا نقيب المحامين الأسبق الشيخ ميشال خطّار: إن النظام في سوريا (ولم يقل ان سوريا بل ان النظام في سوريا) هو النجمة الحادية والخمسون في العَلَم الأميركي.

وعليه، إنسحب بوتين أو لم ينسحب، سيبقى الرئيس بشار الأسد ينعم بالحماية الأميركية ولو اضطرت الولايات المتحدة الأميركية الى الإستعانة (أحياناً) ببوتين أو سواه ليعيد تثبيت ما يمكن تثبيته من قواعد هذا النظام.