نجح التيار الوطني الحر في أن يحدث «هلعا» سياسيا غيّر مسار الجلسة الثالثة للحوار في ساحة النجمة، بعد أن اعلن رئيس التيار الجديد جبران بسيل أن موعد 11 تشرين الاول سوف يكون في قصر بعبدا، وهي صافرة إنذار تلقفها معظم السياسيين نظرا لخطورتها وحساسيتها وتداعياتها الأمنية والسياسية، ما دفع بالأقطاب الرئيسيين إلى محاولة «إحتواء» الجنرال عون وعدم «معاندته» أكثر، تقول مصادر متابعة، خاصة بعد الإنذار الأول الذي أرسله إلى جلسة الحوار الثانية حيث كانت المقاطعة الأولى له، والتي هددت بنسف طاولة الحوار – فيما لو تكررت – الأمر الذي أطلق حركة إتصالات جدّية تولاها كل من رئيس مجلس النواب ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط من أجل تعويم «التسوية» الثلاثية الأبعاد التي يتم التداول بها منذا الجلسة الأولى، والتي تقضي على مستوى الترقيات الامنية وهي مفتاح سلّة الحل – وتشمل تعيين الأعضاء الخمسة في المجلس العسكري، ثم ترفيع ثلاثة عمداء الى رتبة لواء، على ان يكون من بينهم روكز، ليصبح عدد الضباط برتبة لواء ثمانية مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، وذلك تنفيذاً لقانون الدفاع وتعديلاته في العام 1979.
وقد لاقى هذا المقترح قبولا وإستحسانا مبدئيا من كافة الأطراف بإستثناء رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة الذي يعمل على قاعدة عدم إهداء الجنرال أي مكسب سياسي دون مقابل وهو ما عبّر عنه الجنرال في كلمته بعد إجتماع تكتل التغيير والإصلاح ووضعه في خانة المُعطّل لهذه التسوية التي تجري في سباق مع الزمن من حيث إنتهاء ولاية العميد شامل روكز في منتصف الشهر المقبل أو مع موعد «الزحف البرتقالي» نحو بعبدا، وفي هذا السياق تشير المصادر الى أن موقف تيار المستقبل المتمثل بكلام النائب فؤاد السنيورة كان محلّ «إستغراب» حتى من الحلفاء الذين يدركون جيدا ان لا فائدة من «حشر» الجنرال في الزاوية، وإن خطوة إقناعه – التي حصلت في الجولة السابقة – عبر إستبعاد إنتخاب رئيس من قبل الشعب مباشرة يمكن إعتباره لُيونة معينة يجب ان تُردّ له وأفضل طريقة تكمن في إنجاز ملف الترقيات العسكرية التي تشمل صهره العميد روكز، وهو التحذير الذي نقله بشكل مباشر النائب وليد جنبلاط عن عدم فائدة السير بالمواجهة مع الجنرال في هذه المرحلة التي يملك بها دعما كبيرا من حليفه القوي حزب الله، ومساندة شعبية إختبرت الأرض منذ اسابيع ويمكنها أن تقلب المشهد فيما لو توجهت نحو قصر بعبدا وأعلنت عصيانا مفتوحا، قد يجرّ البلد إلى مشكل أمني وسياسي لا يجدي بعده أي منطق تسوية أو مقايضة.
تتابع هذه المصادر أن الجنرال عون ما كان ليحضر شخصيا الجلسة الحوارية الثالثة، والتي أعلن عنها في الساعات الأخيرة، لو لم يتلق ضمانات جدّية من الرئيس برّي وحليفه حزب الله ومن اوساط الحزب الإشتراكي عن أن سلة متكاملة من الحلّ سوف تُطرَح في هذه الجلسة حيث سيُعقد «إتفاق نيّات» خلالها، ثم يتمّ بعد عيد الأضحى الإعلان رسميا عن هذا الإتفاق المتكامل بين الترقيات الأمنية وعمل آلية الحكومة وفتح أبواب التشريع وهي كلها أمور تلبي طلبات كافة الأطراف، ولكن المفاجأة كانت في «الحنبلة السياسية» ـ كما وصفها النائب جنبلاط ـ التي تَعامل بها النائب فؤاد السنيورة والتي فُسّرت على أنها «تعطيل «وهو مغاير لطبيعة الأجواء التي وصلت الرئيس بري من قبل الرئيس الحريري والوزير المشنوق، ما دفع برئيس مجلس النواب الى طلب الإستيضاح من مدير مكتب الحريري حول حقيقة الموقف، لكي يُبنى على الشيء مقتضاه، مع العلم ـ تتابع هذه المصادر أن الرئيس برّي ما كان ليسير بهذه «التسوية» لو لم يتلق ضوءا أخضر من الرئيس سعد الحريري، وقد يكون موقف السنيورة نوعاً من التمايز أو تثبيت دور أو حتى إختلاف الرؤيات والأجندات التي باتت تميز «الأجنحة» داخل تيار المستقبل ومواقفه في الآونة الأخيرة.
تتابع المصادر السياسية بالقول إن الخلوة التي عُقِدت على هامش الجلسة الحوارية الثالثة بين الأقطاب الستة كانت جوهر هذه الجلسة، وإن لم يكن يُتوقع أن يَخرج الدخان الأبيض منها مباشرة، إلا ان بوادر حلحلة إيجابية بدأت تلوح في الأفق تجعل من الحديث عن تسوية مقبلة أمرا مشروعا رغم كل حملات التشويش التي نسمعها إلا أن الشهر المقبل سوف يحمل إستحقاقات إقليمية مهمة، قد ينال الجانب اللبناني منها نصيبا وافرا، حيث سيلتقي رئيس الحكومة تمام سلام على هامش إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا التي دخلت على خط الأزمات في المنطقة بصورة واضحة وتحديدا في سوريا، وبالتالي ترجّح مصادر ديبلوماسية أن تعمل روسيا على خطّ تقريب وجهات النظر للإطراف الإقليمية الفاعلة على الساحة اللبنانية، وطبقا لذلك سوف تكون الجلسة الحكومية المقبلة بعد عودة الرئيس تمام سلام من نيويورك حاسمة على صعيد فتح ثغرة في جدار الركود السياسي الحاصل، وهو ما يعمل له بالتوازي الرئيس نبيه بري من خلال طاولة الحوار التي يديرها مُستندا إلى إشارات إيجابية وصلته من معظم الأطراف الداخلية، وفي الوقت نفسه من دعم غربي سمعه لحكومة الرئيس سلام والحفاظ على مؤسسات الدولة وإستقرارها، عدا إرتفاع منسوب التفاؤل في العلاقات الإقليمية بعد إقرار الإتفاق النووي الإيراني ـ الغربي شبه النهائي من كل الأطراف، وبالتأكيد أدى «الضغط» الشعبي الذي أحدث خضة سياسية ـ رغم كل ما قيل حوله – دورا إيجابيا، ووضع المسؤولين اللبنانيين تحت المجهر والمحاسبة، هذه العوامل جعلت من عرّاب الحوار الرئيس بري يتمسك بإجرائه رغم كل محاولات التصويب عليه شخصيا، وحملات التشويش والنَعي التي رافقت إنعقاده ليعود فيحصد مجددا إلتفافا كاملا ومخرجا لا بد منه للخروج من دوامة الأزمة الراهنه.
تختم المصادر المتابعة أن الجلسة الحوارية الأخيرة ـ رغم تواضع منسوب التفاؤل التي أوحت به ـ إلا انها شكلّت إمكانية بداية حلّ قد يتبلور في ما بعد عطلة عيد الأضحى وعلى مستويات متعددة سياسية وبيئية مع الأخذ في الإعتبار قدرة الجنرال عون برمي الكرة في ملعب 14 آذار من خلال إستبدال الحديث عن إنتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، بالبحث في قانون إنتخابي عادل يقوم على النسبية وتقسيم 15 دائرة، مع تمرير سلّة التعيينات الأمنية ومن ضمنها العميد روكز، عدا عن التلويح بإمكانية «الزحف البرتقالي» نحو بعبدا، وبهذا يكون قد إستعاد الجنرال المبادرة بعدما حاول البعض محاصرته وسحب البساط من تحت قدميه… وعاد مجددا إلى مِنصّة الحكّام!