أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تسجيلات بالصوت والصورة لميشال سماحة وهو يحدّد أمر تنفيذ عمليات اغتيال وتفجير بعلم القيادة السورية، وبناءً على طلبها، فهل ستطلب المحكمة تسليمها ملف سماحة، والاستماع اليه، في القضية التي يمكن أن تعطي دليلاً على تورط أعلى الهرم في القيادة السورية في عمليات اغتيال، وهو ما يمكن أن يضيف الى ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، دليلاً على «تورّط» هذه القيادة في هذا النوع من الأعمال الأمنية الكبيرة؟
حتى الآن لا يبدو أنّ ثمة مؤشرات على ذلك، لكن مَن يتتبّع سَير المحاكمة في قضية الحريري، يدرك أنّ الادعاء الذي طلب الاستماع الى شهادات الشهود الذين عاينوا مرحلة ما قبل اغتيال الحريري، والتهديدات التي تعرّض لها، في لقائه الاخير مع الرئيس بشار الاسد، يمكن أن يلجأ الى مزيد من استدعاء الشهود، لإكمال حلقات المشهد الذي أدّى الى اغتيال الحريري،
وحتى الآن يمكن القول إنّ كلّ الافادات التي أدلى بها الشهود بدءاً من النائب مروان حمادة وصولاً الى هاني حمود مستشار الحريري، تقود الى تأكيد حقيقة أنّ النظام السوري هدّد الحريري، وأرغمه على التمديد للرئيس اميل لحود، لكنّ هذه الشهادات وتبعاً للذين أدلوا بها، لم تعطِ دليلاً مادياً على ربط النظام السوري بالاغتيال، في حين بقيت الادلة داخلَ الملف الذي يحتوي على نتائج التحقيقات، خصوصاً في «داتا» الاتصالات، حيث تمّ رصد حصول اتصالات بين المنفّذين والقيادة السورية.
أما في قضية سماحة، فإنّ التسجيلات التي يتحدّث فيها عن العملية التي كانت ستنفّذ بـ»معرفة» الاسد وعلي مملوك، فإنّ الدليل على ربط القيادة السورية بعملية التفجير والاغتيال، قاطعٌ، ويستوجب حسب مراجع قانونية، الاستماعَ الى سماحة في المحكمة الدولية، لأنّ ما قاله يُعتبر نموذجاً عن طريقة عمل النظام، وعن تسلسل الأوامر وطريقة إعطائها، داخل الحلقة الضيقة المكلفة تنفيذ عمليات الاغتيال والتفجير، وهذا ما لم تقترب منه المحكمة العسكرية في لبنان، ولو على سبيل رفع العتب، بحيث تمّ أولاً تفريق الملف، ومن ثمّ حصر التهمة المخفَفَة بسماحة، وإخراج مملوك من هذا الملف، بحيث بدا أنّ قضاة المحكمة العسكرية لم يشاهدوا هذه الأفلام، أو أنهم شاهدوا وغضّوا النظر، بفعل «الضغوط» التي تعرّض لها بعضهم.
تعيد اعترافاتُ سماحة المصوَّرة الذاكرة الى نظرية «الآمر الناهي»، التي استُعملت في ملف تفجير كنيسة سيدة النجاة، وأدّت الى اتهام الدكتور سمير جعجع زوراً بالمسؤولية عن التفجير، فسماحة أثبت في اعترافاته أنّ رأسَ النظام السوري هو «الآمر الناهي»، في كلّ التفاصيل، وأنه يعرف ويشرف على هذه العمليات، ولهذا يمكن للمحكمة الدولية أن تستعين باعترافات سماحة، لتأكيد «حقيقة» ضلوع النظام في عمليات مشابهة لاغتيال الحريري، وتكمن الاهمية في هذه الاعترافات، بأنها تعطّل محاولة النظام تصفية بعض رموزه ممَّن يعرفون الحقائق، والذين يمكن أن يغامروا في تقديم معلومات اذا شعروا أنّ النظام آيلٌ الى السقوط.
تسير المحاكمة في قضية اغتيال الحريري، بطريقة ممَنهَجة، ومن غير المستبعَد استدعاء عدد اكبر من الشهود، وتأتي قضية سماحة لتضيف كثيراً من الادلة على تورّط النظام السوري في عمليات أمنية كبرى، فهذه الاعترافات التلفزيونية، كشفت حقيقة النظام السوري وما يدور في حلقته الضيّقة، وهي ساهمت في إدانته بنحوٍ لا لبس فيه، فهي أدلّة ناطقة لا تحتاج الى اثبات، تكفي الاستعانة بها لتأكيد المؤكَّد، حول كلّ ما مارسه النظام السوري في لبنان وسوريا