لا جلسات الحوار، ولا مناقشات مجلس الوزراء، ولا إغراءات سلّة الاقتراحات، أفلحت في إحداث الخرق المطلوب في جدار الأزمة التي يتخبّط فيها البلد، والتي تزداد تصعيداً وتعقيداً، يوماً بعد يوم!
لا مبادرات باريس، ولا استطلاعات القاهرة، ولا حتى تمنيات واشنطن، نجحت في تحقيق أي تقدّم على طريق إنهاء الشغور المُعيب في رئاسة الجمهورية!
لا تنازلات سعد الحريري، ولا انعطافات سمير جعجع، ولا تراجعات بقية قوى 14 آذار، ساهمت في تقريب وجهات النظر والمواقف مع فريق 8 آذار، الذي بقي متمسكاً برفضه لكل المبادرات والتنازلات، ومشككاً بالتكويعات والتغيّرات الجذرية في التوجهات الرئيسية، ويتعاطى معها وكأنها لم تكن!
لم يعد خافياً أن فريق ما كان يسمى 14 آذار قد فقد مبادرة الحركة والقرار، وأن محور 8 آذار ما زال أكثر تماسكاً، بقيادة عاموده الفقري حزب الله، الذي يتصرّف في الساحة السياسية الداخلية، بنشوة الشعور بفائض القوة، بعيداً عن توازنات المعادلة الوطنية، وحساسيات التركيبة اللبنانية، الطائفية والمذهبية، الحزبية والمناطقية.
وانطلاقاً من هذا الشعور المبالغ فيه طبعاً، والذي لا يراعي قواعد اللعبة في النظام السياسي اللبناني، يحاول الحزب أن يتصرّف وكأنه «الحزب الحاكم»، وبأنه الطرف الأقوى، بين مجموعة من الأطراف الضعفاء، وبالتالي يحق له أن يفرض شروطه على القوى السياسية الأخرى، التي تعاني تراجعاً في بيئتها، مثل «المستقبل»، أو تغييراً وانعطافاً في المسار السياسي، مثل «القوات اللبنانية»، أو تردداً وتنقلاً بين المواقف مثل الحزب الاشتراكي، أو حتى تفرداً بالقرارات، مثل حزب الكتائب، فضلاً عن حالة التشرذم التي تهيمن على المسيحيين المستقلين.
الحزب يرشح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وعلى الآخرين أن ينصاعوا لهذا الترشيح، وإلا لا انتخابات، ولا رئاسة، ويمكن بالتالي لا جمهورية.
رئاسة الحكومة يمكن أن تكون من نصيب الرئيس سعد الحريري، إذا وافق على انتخاب مرشّح الحزب رئيساً للجمهورية، وإلا فرئاسة الحكومة ستكون من نصيب مَن يسميه الحزب، ووفق سياسته وشروطه.
رئاسة مجلس النواب باقية للرئيس نبيه برّي، سواء حصلت الانتخابات النيابية، أم لم تحصل، وذلك لأجل غير مسمّى، وبالتالي لا ضرورة للتفكير بشخصية شيعية أخرى لتولي الرئاسة الثانية.
وبكلام آخر،
الحزب لا يريد رئاسة الجمهورية تحت هيمنته وحدها، بل يعمل لتكون الرئاسات الثلاث في دائرة نفوذه، بشكل أو بآخر، وكأنه هو «الحزب الحاكم»، صاحب السلطة المطلقة، والمرجع الأوّل والأخير لإدارة شؤون الدولة، والتحكّم بأوضاع البلاد والعباد!
فهل يتحمّل لبنان صيغة «الحزب الحاكم»؟
وإلى أين تقودنا سياسة «الشعور بفائض القوة» المبالغ فيها، إلى حدّ التجرؤ على محاولة إلغاء الآخرين؟