المستقبل» و«الاشتراكي» يقاومان النسبية برغم تبنيها مسيحياً
هل يحرق عون أوراقه بتخليه عن «الأرثوذكسي»؟
البند الثاني من جدول أعمال طاولة الحوار: قانون الانتخاب. طبعاً لم ينتقل المتحاورون إلى هذا البند بعد إنجاز البند الأول، أي بند رئاسة الجمهورية. أعلنوا فشلهم في الأول، وانتقلوا إلى الثاني.
للوهلة الأولى، بدا أن خرقاً ما قد حصل. ردد ميشال عون موقفه التقليدي المؤيد لـ «القانون الأرثوذكسي»، لكنه انتقل فوراً إلى كشف أوراقه. أعلن للمرة الأولى تبنيه قانونا ثانيا، وهو ما لم يفعله «التيار» طيلة فترة انعقاد لجنة التواصل الانتخابي. كان ممثل «التيار»، حينها، يناقش كل القوانين المطروحة لكنه يرفض إعطاء موقف نهائي من أي منها أو تقديم أي اقتراح. وكانت الخطة تقضي بالتمسك بـ «الارثوذكسي» الميت سلفاً، مع الانفتاح على مناقشة أي قانون يؤمن المناصفة.
في جلسة الحوار الثالثة، دعا عون إلى السير بالمشروع المقدم من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المبني على النسبية، مع تعديل صغير يطال عدد الدوائر الانتخابية، بما يجعلها 15 دائرة بدلاً من 13.
موقف عون المفاجئ استدعى تنويهاً من الرئيس نبيه بري، لكنه استدعى، في المقابل، تشدداً من قبل الرئيس فؤاد السنيورة الذي تمسك بالاقتراح المقدم من «المستقبل» و «الاشتراكي» و «القوات»، أي الاقتراح المختلط الداعي لانتخاب 60 نائباً على أساس النظام النسبي و68 نائباً على أساس النظام الأكثري.
مع ذلك، فإن ارتفاع أسهم اقتراح عون سريعاً، خوّله تخطي العديد من الاقتراحات الانتخابية والدخول إلى التصفيات النهائية إلى جانب اقتراح «المستقبل» واقتراح بري المبني على المناصفة بين النظامين الأكثري والنسبي.
وللمناسبة، فإن اقتراح النسبية مع 15 دائرة كان الاقتراح الذي أعده الوزير زياد بارود وفريق عمله في أيار 2011، كمسودة أولى سلمها إلى الوزير مروان شربل في حفل التسلّم والتسليم في 16/6/2011، قبل أن يعمد شربل إلى تعديله، قتقر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المشروع، مخفضة عدد الدوائر إلى 13، متخلية عن بعض المواد الإصلاحية، وأبرزها تحويل الهيئة المستقلة للانتخابات إلى هيئة الإشراف على الانتخابات بالإضافة إلى إلغاء البند الذي أعطى العسكريين حق الاقتراع.
من يطّلع على تقسيم الدوائر في اقتراح بارود فسيكون قادراً على فهم أسباب تدني فرص قبوله من قبل «الاشتراكي» و «المستقبل»، فالدوائر الـ15 هي على الشكل التالي: عكار، طرابلس والمنية والضنية، زغرتا وبشري والبترون والكورة، بعلبك والهرمل، زحلة، راشيا والبقاع الغربي، جبيل وكسروان، المتن، بعبدا وعاليه، الشوف، صيدا وجزين والزهراني، النبطية ومرجعيون وحاصبيا، صور وبنت جبيل، بيروت 1 (الاشرفية، رميل، المدور، المرفأ، الصيفي والباشورة) وبيروت 2 (رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة والمصيطبة).
كل الكتل تريد أن تضمن حماية مصالحها وضمان حصتها في السلطة. ولذلك فإن التقسيم السابق لا يحقق هذه الشروط. ومع ذلك، يبقى الإنجاز الذي تحقق أن أحداً لم يعد قادراً على تخطي موضوع النسبية في الانتخابات، لاعتبارات مسيحية بالدرجة الأولى.
بحسب بارود نفسه، فإن اقتراحه يؤمن وصول ما بين 52 و54 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين. وهذا رقم ربما يتخطى معظم ما تحققه مشاريع القوانين المطروحة، كما أنه رقم يحرج «القوات» غير القادرة في الوقت الراهن على التراجع عن التزامها مع «الاشتراكي» و «المستقبل»، بالرغم من تأكيد كثر أنها ستكون من أبرز المستفيدين من قانون كهذا.
من الواضح أن المشكلة الحقيقية تكمن عند الطرفين الأخيرين. لا مصلحة لهما بمبدأ النسبية بالدرجة الأولى، ثم بتقسيم الدوائر. تقسيم بيروت إلى دائرتين لا يمكن أن يحظى بموافقة «المستقبل»، كما أن فصل عاليه عن الشوف هو أمر يعارضه وليد جنبلاط. ومع تقدير البعض أن تعديل الدوائر يمكن أن يرضي جنبلاط ويجعله يؤيد المشروع، إلا أن العقدة الحقيقية تتركز عند «المستقبل». فهو سيجد نفسه أمام انتخابات تقطع من حصته ما قد لا يسمح له بالحفاظ على الكتلة الأكبر في المجلس.
وعليه، وبالرغم من أن اقتراح الـ15 دائرة هو خطوة أولى على طريق الوصول إلى قانون انتخابي عادل لا تقتصر عدالته على تأمين التمثيل المسيحي إنما تتعداه لإعطاء فرص متساوية لكل شرائح المجتمع وفئاته، إلا أن حظوظه تبدو محدودة. علماً أن مسألة قانون الانتخاب هي المطلب الأبرز للحراك المدني، الذي يسعى إلى قانون انتخابي عادل. وهو ما لا يتحقق، بحسب معظم المنضوين في الحملات المدنية، سوى بالنسبية مع لبنان دائرة واحدة.
وبالرغم من أن السلطة بكل تلاوينها والحراك المدني بكل تلاوينه يعلنان تأييد النسبية، إلا أن فرز هذه المواقف يظهر أن أكثر المتضررين من النسبية هما «المستقبل» و «الاشتراكي»، اللذان يملكان كتلاً نيابية أكبر من حجمهما. لذلك فإن مصلحتهما تقضي بمحاربة النسبية حتى الرمق الأخير. وهو ما أعاد السنيورة تأكيده، بإشارته إلى أن تطبيق النسبية غير ممكن في ظل السلاح، وعليه فإن المطلوب في هذه المرحلة الانطلاق من مشروع مختلط.
في هذه الحالة، وبعد فشل مشروع «المستقبل» في استقطاب أي من الكتل السياسية الأخرى، ولا سيما الكتائب قبل «8 آذار»، فإن أسهم مشروع بري (نصف أكثري ونصف نسبي) ستعود مجدداً إلى الارتفاع، بعد إجراء تعديلات طفيفة عليه.
حتى الآن، قانون الانتخاب هو جزء من التسوية، ولا يمكن إخراجه منها. أما التمارين الذهنية التي تجري على طاولة الحوار أو خارجها، فيعتقد كثر أنها إذا لم تفد فلن تضر.. وعندما يحين الوقت، من الجيد أن تظهر السلطة لأصحاب القرار الدولي والإقليمي، كما للناس الذين ما يزالون يصدقونها، أنها لم تكن تتفرج إنما كانت تسعى لملاقاة الخارج وما سيأتي به من تسويات.