IMLebanon

هل تُحاسب صناديق الاقتراع الفاسدين فتذهب بهم وتأتي بالأيدي النظيفة؟

لم يكن مستغرباً أن يصنَّف لبنان دولة أولى في الفساد ولا أن يصنّف، لا سمح الله، دولة فاشلة إذا استمر الشغور الرئاسي وأدّى ذلك إلى تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب، وهو ما يجعل الفساد يستشري وينخر كل جسم الدولة في غياب كل حسيب ورقيب. وفي ظل هذا الوضع الشاذ يعيش مرتكبو التجاوزات ومختلسو المال العام على السمسرات والرشى.

لقد ملَّ الناس سماع كلام كثير على الفساد من دون أن يروا وجه فاسد واحد يمثل أمام القضاء، وملّوا سماع كلام كثير على اختلاسات بملايين الدولارات ولم يروا مختلساً واحداً يدخل السجن، ما يجعل عددهم يزداد والفضائح تتكاثر وتتناسل ولا مَن يحاسب خصوصاً في ملفات باتت معروفة ومنها ملفات النفايات والتهريب عبر المرافئ والمطارات وملف الكهرباء التي بدأ الفساد منها ولم ينته الى الآن على رغم الاعتراف بكثرة الفضائح فيها، ولا من يضع حداً لها لا في مجلس النواب ولا في اللجان النيابية التي توقفت عن البحث فيها كما يبدو بعد الاشتباك الكلامي في احدى جلساتها. فكما كان تلزيم النفايات فضيحة فان فضيحة جديدة تطل برأسها في موضوع الكهرباء تضاف الى فضائح سابقة، والجديد فيها بحسب معلومات مصدر متابع ان البواخر التركية تكلف الدولة أكثر من 40 مليون دولار سنوياً، ووكيلها في لبنان يربح حوالي مليوني دولار سنوياً، ويعرقل تأهيل معمل الزوق لأنه عند انتهاء تأهيله سوف يتم الاستغناء عن البواخر. وهذا المعمل ينتج حالياً كما يقول الخبراء 340 ميغاواط بينما طاقته القصوى بعد التأهيل هي 640 ميغاواط، ما يخفض ساعات التقنين في كل لبنان ثلاث ساعات يومياً ويوفّر الطاقة بعد التأهيل لمدة 18 سنة. وبحسب معلومات المصدر نفسه أن جميع محرّكات معمل الزوق هي من صنع شركة واحدة، وقد وضعت “مؤسسة كهرباء لبنان” ومجلس الإنماء والاعمار بنداً في دفتر الشروط يلزم العارض استعمال قطع غيار اصلية من المصنع الأساسي للمحرّكات. وعند اعلان المناقصة قُدّم عرضان فقط عام 2012 احدهما من شركتين قيل إنهما METKA – ANSALDO مطابق لشروط المناقصة، والآخر قيل إنه من شركة CNEEC صينية غير مطابق كونه لم يلتزم الشروط ولم يقدّم المستندات التي تلزمه شراء قطع غيار أصلية من المورد الأساسي للمعمل وبسعر أعلى بكثير من شركة METKA، فلم يتم التلزيم نظراً لارتفاع السعر عن الميزانية المخصصة للمشروع.

واليوم، وبعدما تعهّد الصندوق الكويتي والصندوق العربي تمويل المشروع لغاية 220 مليون دولار، تم التفاوض مع الشركة الفائزة بالمناقصة لإعادة النظر بالسعر كون “مؤسسة كهرباء لبنان” أنجزت الأعمال الواردة في دفتر الشروط الأساسي. وبعد سلسلة اجتماعات مع الشركة التي كانت قد فازت بالمناقصة فانها باشرت تحضير العرض النهائي تمهيداً لتقديمه الى مجلس الانماء والاعمار في أواخر أيار الجاري. ويقوم حالياً خلاف على اعادة اجراء مناقصة تأهيل معمل الزوق من دون معرفة الأسباب والخلفيات، علماً أن إعادة المناقصة قد تستغرق سنة وأكثر وترتفع الأسعار، وكذلك اعادة المفاوضات مع الصناديق المانحة، لذا يجب انهاء المفاوضات مع هذه الشركة. وهكذا يتكرّر في مناقصة تلزيم تأهيل معمل الزوق، خدمة للبواخر التركية، ما كان قد حصل في تلزيم النفايات خدمة لشركة “سوكلين” من خلال المماطلة وافتعال الخلافات حول الأسعار.

لقد ملأ آذان الناس ضجيج الكلام والبيانات والتصريحات عن فساد صمد في وجه الجميع، حكومة ومجلساً وقضاء، فبات آفة العصر بل آفة عالمية يرى علماء اجتماع في التحري عن مسبّباتها انها باتت تهدد ركائز المجتمع والاقتصاد والدولة، وانها آفة صارت وليدة تقديس المال وإحلاله في قمة القيم من دون الالتفات الى طريقة تجميعه والتعطّش المتزايد للبذخ والانحطاط في الأخلاق، ولا شك في أن غياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة جعل المرتكبين يزداد عددهم ويضع العدالة في مواجهة الفساد بحيث بات المواطنون الشرفاء لا يخافون من العدالة بل يخافون عليها.

إن الفساد كان يطيح حكم الأنظمة التي تعجز عن مكافحته ومحاسبة المرتكبين ويقيم مكانها حكم الأيدي النظيفة التي تقضي عليه. وقد يكون رفع السرية المصرفية عن حسابات كل مسؤول يتعاطى الشأن العام هو الوسيلة الفعالة لمكافحته، أو تكون الحاجة الى إصلاح سياسي مكمل للاصلاح الاداري بحيث لا يأتي الى الحكم سوى نخبة من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والتجرّد والاستقامة لوقف تفكيك الدولة وانحلالها بأيدي الفاسدين: فهل تحاسبهم صناديق الاقتراع فتذهب بهم وتأتي بأصحاب الأيدي النظيفة الى الحكم؟