Site icon IMLebanon

هل يندم المــسيحيون على قتل قانون الـ60؟

عام 2008، طالب المسيحيون بقانون الـ60 كمحطة موقتة نحو الأفضل، بعد «قانون غازي كنعان». وفي تقديرهم أنّ أحداً لن يعارض استعادة التوازن التمثيلي في المجلس النيابي. لكنّ الأقوياء وافقوا يومذاك على الـ60 اضطرارياً، لأنه ينتزع منهم جزءاً من التمثيل المسيحي. لقد كان هؤلاء محشورين في الدوحة. لم يستطيعوا رفض مطلبين مسيحيين في آن معاً: قانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية.

كان العماد ميشال عون يعتبر في مؤتمر الدوحة أنّ الاتفاق عليه رئيساً للجمهورية سيكون محسوماً. ولكن، تمّ إقناعه بأنّ الظروف لا تسمح بوصوله إلى الرئاسة. وفي المقابل، تمّ «التنازل» وإقرار الـ60 جائزة ترضية و«أهوَن الشرّين»، وفي تقدير كل طرف سياسي أو طائفي أو مذهبي أنه سيتخلّص لاحقاً من الـ60. و»الحلف الرباعي» يطمح إلى استعادة المعادلة التي كرّسها قانون 2000.

إذاً، في 2008، اتفق الجميع على قتل الـ60، ولكن من زوايا ولمصالح متناقضة: القوى المسيحية تريد تحسين حجمها في المجلس، فيما القوى الأخرى لا تريد العودة إلى الوراء، لكنها لا تستطيع المجاهرة بذلك لعدم إحداث صدمة. وهكذا، استمرّ الصدام منذ 2013.

اليوم، دقّت ساعة الحقيقة. في تسوية خريف 2016 الرئاسية، فرض عون نفسه على القوى التي عارضت وصوله إلى الرئاسة في الدوحة. فكان الردّ عليه واضحاً وصريحاً: إذاً، معركتنا في الحكومة والمجلس النيابي.

في الحكومة، هناك مجال لتسوية، وهناك شريك آخر هو الرئيس سعد الحريري. ولكن، في قانون الانتخاب، الكباش عنيف لأنّ الانتصار هنا هو الحاسم. ولذلك، لا أحد يريد التراجع: «يا قاتل… يا مقتول»!

اليوم، يبدو عون على محك الاختيار الأصعب. فهل يتمسّك بقانون انتخاب يمنح القوى المسيحية حجماً أكبر في المجلس، ما يتيح لعهده تغطية مسيحية قوية؟ أو يستجيب لمطالب القوى الأخرى في اعتماد قانون يخفض تمثيل القوى المسيحية؟

في عبارة أخرى، عند المفترق الحاسم، هل سيغلِّب عون تحالفه المسيحي مع «القوات اللبنانية» أو تحالفه السياسي مع «حزب الله»؟

حتى الآن، يعمل عون لإبرام تسوية ترضي الجميع من خلال اعتماد مبدأ التأهيل على مستوى القضاء والصوت التفضيلي. لكن هناك فروقات شاسعة، إلى حدّ الانقلاب، بين الصيغة التأهيلية والتفضيلية والأخرى.

فمن شأن الصيغة التي يطرحها باسيل- بالتفاهم مع «القوات»- أن تحقق نقلة نوعية لمصلحة القوى المسيحية في المجلس النيابي، فيما نتائج الصيغ المقابلة قد تكون قريبة لنتائج قانون الـ60 أو أسوأ منها بدرجات.

حتى اليوم، يواجه عون كل الضغوط ويستخدم ما لديه من أوراق للوصول إلى القانون المريح مسيحياً، ليس فقط انسجاماً مع تحالفاته «القواتية»، بل أيضاً لمصلحته كرئيس للجمهورية. فالتمثيل المسيحي القوي في المجلس يضمن تغطية للعهد على مدى 6 سنوات.

بالنسبة إلى «حزب الله»، لا مجال لتفويت الفرصة السانحة في ترجمة توازن القوى الحالي داخل المجلس النيابي. ويدعم الرئيس نبيه برّي هذا الاتجاه، ويرضخ له الحريري والنائب وليد جنبلاط ضمن لعبة ترتيب المصالح.

وإذا استمرّ الضغط في هذا الاتجاه حتى 15 أيار، فربما يكون أمام عون خيار السير بقانون انتخاب لا يمثّل حتى الحدّ الأدنى من طموحات «تصحيح الخلل الميثاقي» الموعود في المجلس النيابي.

سيحاول عون استخدام كل الأوراق التي يمتلكها ليبعد عنه كأس الخيارات المفروضة. ولكن، على الأرجح، الفراغ في المجلس النيابي ممنوع إلّا في حال وحيدة هي أن تكون القوى الشيعية نفسها راغبة في هذا الفراغ، سعياً إلى إعادة إنتاج النظام.

وهذا الأمر ليس مؤكداً في الظروف السائدة، خصوصاً أنّ القوى الدولية تقف بالمرصاد لمنع الفراغ في المؤسسة التشريعية، وللدفع إلى إجراء الانتخابات النيابية أيّاً كان القانون الذي سيرعاها، حتى وإن كان القانون الساري المفعول، أي الـ60.

وباستثناء خيار التعطيل، سيكون عون مضطراً إلى القبول بتسوية قوامها النسبية، لكنّ نتائجها لا تلتقي وطموحات تصحيح التمثيل المسيحي. وإذا

حصل ذلك في عهد رئيس مسيحي قوي ومدعوم بتحالفاته، هو عون، فهذا يعني أن لا فرصة إطلاقاً بعد اليوم لإصلاح الخلل.

وعلى العكس، إنّ قبول المسيحيين اليوم بقانون الـ60، بصفته القانون الساري المفعول، أو قانون الأمر الواقع، وتأجيل الإصلاح شهراً أو سنة أو سنتين، يبقى أفضل لهم من القبول بقانون تمّ اعتماده تحت عنوان الإصلاح، لأنّ كل الخطوات اللاحقة ستتأسس عليه.

فهل يندم قادة المسيحيين على قتلهم قانون الـ60 من دون ضمان القانون الأفضل منه؟

الفرصة لتعويم هذا القانون ممكنة. والـ60 هو المرغوب به لدى كثيرين، ولا سيما منهم «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط وقوى مسيحية عدة.

ولكن، أكثر من أي وقت مضى، يواجه لبنان استحقاق إنجاز صياغة مصيرية لنظامه السياسي، سواء تمّ التوافق على قانون انتخاب أم لا. فهل تكون الأسابيع الأربعة الفاصلة عن 15 أيار حافزاً ليُطرَح النظام برمّته، دفعة واحدة، على الطاولة، بدل استمرار الأزمات «بالتقسيط»؟