IMLebanon

هل يعوّض نهج “التهويل” عجز الطبقة السياسية؟ لا سلام ولا فريقه السياسي في وارد التضحية بالحكومة

أما وقد تراجعت عاصفة السجال السياسي بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” والتي فعلت فعلها خلال الايام القليلة الماضية على خلفية المواقف المفاجئة التي اطلقها وزير الداخلية نهاد المشنوق، تقدمت الى واجهة الحدث مسألة التهويل والتهديد بالذهاب الى الاحتمالات القصوى لتمسي سيدة الموقف.

ففي الساعات الـ48 المنصرمة كان كل مسؤول من موقعه يضع البلاد برمتها امام خطر الذهاب الى المرحلة الاسوأ. فرئيس مجلس الوزراء تمام سلام بدا امام وفد طالبي جامعي استدعي على عجل للاجتماع به وكأنه يرمي القفاز في وجه الجميع، وربما للمرة الاخيرة، من خلال التحذير بتسمية الاشياء باسمائها ووضع النقاط على الحروف، متوعدا بمواقف جذرية اذا ما استمر تعطيل جلسات مجلس الوزراء واذا لم يبادر المعنيون الى ابداء التعاون لحل أزمة النفايات.

قبله بوقت قصير كان وزير المال علي حسن خليل يكرر ان لا رواتب للعاملين في القطاع العام بعد الشهر المقبل ما لم تلتئم الحكومة وتفتح أبواب مجلس النواب لتشريع الضرورة.

وفي التوقيت عينه كان رئيس المجلس نبيه بري يتوسل للمرة الاولى، النواب للحضور الى ساحة النجمة بغية عقد جلسة تشريع الضرورة قبل خراب البصرة ولتلافي انهيار هيكل الدولة المتداعي وقبل ضياع ملايين الدولارات على لبنان الآتية اليه على شكل قروض أو هبات. ولم يطل الأمر حتى لوّح الوزير أكرم شهيب عضو اللجنة الوزارية المولجة معالجة موضوع النفايات بأنه يعتزم الذهاب الى الاعتكاف والاستقالة من مهمته الصعبة خلال اقل من اسبوع ما لم تحل مسألة العثور على مطامر للنفايات.

ومن جهة الضاحية الجنوبية كان “حزب الله” يطلق بلسان عدد من قيادييه ونوابه موجة تحذيرات من ان ازمة الداخل والاقليم مقدر لها ان تطول، وان الامور في الداخل ستجنح نحو الدرك الادنى اذا ما ظل رهان بعض القوى المحلية على تطورات الخارج وبقيت جامدة في مكانها تضع العصي في دواليب الحل وتضيع فرص التسويات.

وعلى رغم ان “التيار البرتقالي” بدا في الآونة الأخيرة وكأنه اختار الانكفاء عن ساحة الفعل والحراك في “استراحة المحارب ” بعدما احتكر صدارة المشهد السياسي خلال الفترة السابقة، فإن مصادر في الرابية ما برحت تطلق بين الفينة والاخرى موجة تحذير من تعقيد محتم للمشهد اذا ما ظل الطرف الآخر، وتحديداً “تيار المستقبل”، يراوح في الدائرة عينها ويرفض التقدم ولو خطوة واحدة في اتجاه بحث جدي عن حلول وتسويات وتقديم تنازلات والاقلاع عن سياسة المكابرة والمناورة.

ولم تكن سمة التهويل والتحذير من عواقب الآتي صفة حصرية للسياسيين، فالامنيون ادلوا ايضا بدلوهم في هذه البئر، وها هو قائد الجيش العماد جان قهوجي يطلق تحذيرا مبطنا وديبلوماسيا من عواقب الفوضى السياسية الضاربة اطنابها، اذ يقول: “إن الامن مستتب ولكن سيكون افضل لو حصل اتفاق سياسي”.

أما الامن العام الذي دخل في سباق مع الوقت والآخرين ليأخذ مكان الاستقطاب في المشهد السياسي – الامني، فقد صنع من اعتقال شخصين فلسطينيين في عين الحلوة سيناريو تخريبياً مضخماً رغم ان فعل هذين المعتقلين كان في اطار النيات وهو ما وجد فيه البعض نوعا من قنابل دخانية للتغطية على الاخفاق الموصوف في حل قضية العسكريين المخطوفين في جرود عرسال بعدما اوحى الجهاز نفسه ان الامر اوشك على الحل.

وفي “معسكر” الاقتصاديين ورجال الاعمال تهويل أيضاً من مخاطر انزياح الاوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الى المهاوي اذا ما بقيت الاوضاع السياسية تنسج على المنوال نفسه.

انه اذاً موسم هجرة السياسيين نحو التهويل على رجل الشارع الذي لم يلبث ان اكتشف بحكم التجارب ان التهويل هو مجرد ضجيج وضوضاء تتوسله النخبة السياسية الحاكمة مجتمعة للتغطية على عجزها الجلي في اماكن وميادين عدة وقصورها عن تقديم اجابات عن تساؤلات تفرض نفسها على المشهد السياسي، فضلا عن ان هذا الضجيج نفسه هو سلاح في جولة المواجهات والصراعات المستمرة بين الاطراف السياسيين في المرحلة الراهنة.

فالراصدون لخط سير الرئيس سلام يعرفون انها ليست المرة الاولى التي يحذر فيها الرجل من انه قد يبادر الى اطفاء الانوار في مقر الرئاسة الثالثة والاعتصام في منزله القريب احتجاجا. ومع ذلك يقيم هؤلاء على اعتقاد بان سليل الزعامة السلامية ليس في وارد الذهاب الى هذا الخيار، ولكنه هنا “يستجدي”، على طريقة توسّل الرئيس بري، كوة ضوء تفضي الى خطوة واحدة، وتحديداً في موضوع ازالة النفايات، ويحرر الحكومة من صفة العجز التي صارت صنوها ولصيقها وجعلتها هدفا سهلا لكارهيها ومعارضيها وفي المقدمة الحراك الشعبي، فضلا عن ان الفريق السياسي الذي يسير سلام في ركابه ليس في وارد التضحية بالحكومة كما ثبت من نهاية عاصفة السجال مع “حزب الله”.

ولم يعد خافيا ان سلام وفريقه سعياً في خطوة يائسة الى تصدير ازمة النفايات في اتجاه “الثنائي الشيعي” طالبين منه المساعدة في ايجاد مطمر نفايات في مناطق حدودية جردية في البقاع الشمالي بعد اعتراض اهالي البقاع الاوسط وذلك تحت عنوان مضمر هو اسكات الرافضين للمطمر في الشمال واضعاف حجتهم. ومن البديهي ان الطلب قوبل بامتعاض من هذا الثنائي وخصوصا من “حزب الله” لاعتبارات عدة، خصوصا ان العيون شخصت في اتجاه منطقة بعينها لها خصوصيته عند الحزب.

وبصرف النظر عن مآل الامور بعد دخول الرئيس بري على خط الموضوع شخصياً، فإن المعلومات المتوافرة من اكثر من مصدر تفيد ان جهودا ضخمة وربما اخيرة تبذلها حكومة سلام بغية ايجاد حلول لهذا الموضوع بعدما طال اكثر من اللازم. فهناك كلام مرتفع على اغراءات مالية كبيرة بغية “تمرير” مطمر سرار في اقاصي عكار، في حين ان “تيار المستقبل” ابلغ الرئيس بري عزمه على دعمه في موضوع تحقيق رغبته في تشريع الضرورة، مما جعل رئيس المجلس، كما قال الذين التقوه أخيراً، في موضع المؤمل كثيرا بامكان انعقاد هذه الجلسة.

في الاسبوع المقبل تشيع آمال بامكان ان تتم صفقة تبادل منافع ومصالح بغية تمرير خطوات معينة توحي للمعنيين بأن الطبقة السياسية ما فتئت قادرة على فعل شيء ما اقله على المستوى غير السياسي، والا فإن افراد هذه الطبقة ليس امامهم سوى معاودة اعلاء الصوت والاستمرار في احداث الضوضاء والضجة علهم يعوضون عجزهم.