لم ينل اتصال هاتفي بين شخصين يتعاطيان الشأن العام في طرابلس الاهتمام الذي ناله الاتصال الذي أجراه وزير العدل المستقيل أشرف ريفي بالرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي، بهدف «تحييد الإنماء عن السياسة، وتوحيد الجهود في سبيل توفير الكهرباء لطرابلس وجوارها 24/24 ساعة»، حسب ما كشف ريفي لاحقاً.
فقد بات هذا الاتصال محور النقاشات في الأوساط السياسية والشعبية في طرابلس، وشكل منطلقاً لطرح تساؤلات عدة عن الأسباب التي دفعت ريفي إلى المبادرة والاتصال بمن وصفه مراراً بأنه «حليف النظام السّوري وحزب الله»، وبمن شكّل تحالف الرئيس سعد الحريري معه في الانتخابات البلدية حجّة كي ينقلب ريفي على «وليّ نعمته» السياسية، واتهامه بأنه «تخلى عن إرث والده».
تبرّر أوساط مقربة من ريفي خطوته بأنها «طبيعية، وأنه من أجل مصالح طرابلس وتنفيذ مشاريع حيوية وضرورية فيها، فلا مانع من تواصله مع الآخرين»، معتبرة أن ريفي «يفصل بين المواقف السياسية والعمل التنموي»، ومتسائلة: «إذا كان الحريري وميقاتي قد تواصلا بعد التباعد والاتهامات الكثيرة بينهما، ألا يحق لريفي ذلك؟».
لكن هذا التبرير لا يجد قبولاً لدى خصوم ريفي في المدينة، وهم كثر، إذ رأوا أن «حجته في هذا السياق ضعيفة»، على حد قول مصادر في تيار المستقبل تساءلت باستغراب: «أين كان الفصل بين التنموي والسياسي في الانتخابات البلدية، عندما اتهم ريفي أطراف لائحة التوافق السياسي بأنهم عملاء النظام السوري وحزب الله؟».
اتصال ريفي بميقاتي شكل حافزاً لكثير من مناصري تيار المستقبل في طرابلس لشنّ حملة قاسية عليه، شكلت مواقع التواصل الاجتماعي ساحتها الأبرز، وتضمنت وصفه بـ»عديم الوفاء»، و»انتهازي»، و»استغل عاطفة الشارع ليصل إلى مآربه»، وأنه «خان مبادئه».
هذه «السقطة» أو «الخطوة غير المدروسة» كما وصفها مراقبون في طرابلس، ردّوها إلى «خبرة ريفي الضعيفة في ألاعيب السياسة. فهو استعدى كل الأطراف في المدينة ضده ولم يترك فيها صاحباً ولا حليفاً، ورفع سقف أحلامه وتوقعاته التي تبيّن أنها غير قابلة للتحقق، ومنها قضية الكهرباء التي تبين له أن وعده الطرابلسيين بتوفيرها لهم 24/24 ساعة، ولو بالقوة، ليس أكثر من مزايدة وموقف سياسي لا يوفّر كهرباء ولا غيرها»، قبل أن تختم قائلة: «يبدو أن معالي اللواء لا يعرف بعد الفرق بين العمل الأمني والعسكري الذي يحتاج للقوة، وبين العمل السياسي والإنمائي الذي يتطلب نفساً طويلاً وصدراً واسعاً وعملاً دؤوباً بعيداً عن المواقف الانفعالية والدونكيشوتية».
فعندما أعلن ريفي سعيه إلى توفير الكهرباء في طرابلس 24/24، مستعيناً بتجربة كهرباء زحلة في هذا المجال، بعد فترة قصيرة من إعلان ميقاتي سعيه إلى الهدف نفسه، تبين له أن الواقع لا يتناسب مع وعوده، فبدأ بالتراجع، وبعدما ظهر أن التنافس منذ البداية كان سياسياً وليس إنمائياً، وهو ما اعترف به المستشار السياسي لميقاتي خلدون الشريف عندما قال إن «إعلان المشروعين كان إعلاناً سياسياً»، ليخلص إلى أن اتصال ريفي بميقاتي هو «إعلان لزوم ما لا يلزم».
عدم خبرة ريفي الكافية في ميدان العمل السياسي، شكلت قبل تقاعده وبعده نقطة الضعف الرئيسية له، ولطالما حذره مقربون منه من أن القوى السياسية في طرابلس وخارجها لن توفر فرصة للإيقاع به، وأنها ستستخدم كل دهائها وقوتها في مواجهته، خصوصاً أنه اصطدم بها واستعداها مجاناً وحاول مصادرة دورها، إلى أن جاء اتصاله الأخير بميقاتي لينقضوا عليه، وصولاً إلى الشماتة به، كما هي الحال في صفوف تيار المستقبل الذين أطلق بعض مناصريه عليه وصف «الابن الضال».