تخوف سياسي وكنسي من «تغيير النظام»
هل انتهت صلاحية الطائف.. والدوحة؟
«لن تنتهي ازمة انتخاب رئيس لجمهورية لبنان إلا وتكون قد انتهت معها الجمهورية اللبنانية بنسختي ما بعد اتفاقي الطائف والدوحة». هذا ما يكرره أحد الديبلوماسيين أمام زواره اللبنانيين في الآونة الأخيرة.
لا يحتاج المتابعون الى جهد او اجتهاد استثنائي لمعرفة أن الأوضاع اللبنانية وصلت الى مرحلة غير مسبوقة من التأزم. فراغ وشلل في المؤسسات. تعطيل واتهامات متبادلة. جبهات مفتوحة وأخرى نيرانها تحت رماد الخطط العسكرية. بؤر أمنية تُذكّر بنفسها بين فينة وأخرى. حدود مهددة. تخوف على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
هذه العناوين التي تندرج تحتها تفاصيل يومية سياسية وإدارية وحياتية كثيرة، تجعل من كلام الديبلوماسي حول نهاية الجمهورية قابلاً للتصديق. «سنستيقظ يوماً وقد تغيّر البلد». يعلق أحد السياسيين المخضرمين، محملاً المسؤولية «للطبقة السياسية اللبنانية بالدرجة الاولى». يقول: «لا يمكن لعاقل أن يقتنع أن اللبنانيين عاجزون عن إدارة بلدهم بحد أدنى من التوافق على البديهيات. كانت هذه لتكون فرصتهم لحماية بلدهم عبر شبكة أمان اسمها مؤسسات الدولة وأجهزتها، على هشاشتها وضعفها. لا يمكن لمن يدقق في المشهد اللبناني الا ان يتلمس بوادر انقلاب خطير يحضّر على كل ما يمكن ان يحصن النظام والبلد والدولة».
وكما في بعض الاوساط السياسية، كذلك في الاوساط الكنسية. برأي احد الأساقفة إن «استسهال ترك الامور تذهب الى أقصاها من التعقيد والتفلت في آن واحد، يعني ان تغييراً جذرياً آتياً. وقد علمتنا التجارب ان نكون حذرين من تداعيات كل فراغ. فكما الحياة لا تقبل ولا تقر بالفراغ، كذلك الشعوب والدول والانظمة لا يمكن ان تسيِّر شؤونها في ظل الفراغ او فيه».
يتابع: «يقلقنا ما نسمعه في دول الانتشار اللبناني من يأس لدى اللبنانيين من بلدهم، ويزداد قلقنا من التحذيرات والنصائح التي يسديها مسؤولون غربيون للبنانيين بوجوب إيجاد حلول سريعة لأزماتهم وتعبيد الطرق امام توافقات الممكن كي لا تفرض علينا تفاهمات الضرورة والإملاء».
وكما يتفق السياسي والأسقف على أن «شيئاً ما» يتحضر للبلد، كذلك يتفقان على وجوب الحذر من الآتي. بحسب السياسي نفسه «لم يأت اي حل في لبنان اثر توافقات واتفاقات بالتراضي. في كل مرة كان الحل بكل توازناته ومعادلاته شبه مفروض على اللبنانيين. لكن الخطير في الموضوع ان البلد صار هشاً الى درجة لا يحتمل معها أي فرض ثقيل الوزن. فبعد ان نخرت الطائفية كل زاوية وركن، واستسلم الناس الى غرائزهم وأبلسوا كل مختلف عنهم، فإن الارضية مهيأة للتحلل او الانفجار. وفي كلتا الحالتين، النتيجة واحدة. سيكون هناك تغيير كبير في لبنان بعد انفجار كبير لأزماته المتراكمة».
يستمع الأسقف الى هذا السيناريو ويتخوف منه، لكنه يتمنى ان يعي اللبنانيون خصوصية بلدهم وتميزه وأن لا بديل لهم عنه بصيغته وتنوعه. وأن من يراهن منهم على ان تغييراً في موازين القوى قد يتيح لفريقه ان ينتصر ويحكم ويبقى لبنان على خصوصيته، واهم ومضلل. لم تنجح أي طائفة بالتفرد في حكم لبنان ولن تنجح. لذا نتمنى ان ينتبه المغامرون الجدد الى أن من يبيعونهم كلاماً عن انتصارات وتغييرات في النظام انما يبيعونهم اوهاماً لن يعرفوا مدى خطورتها إلا بعد فوات الآوان».