IMLebanon

هل تخبو جذوة الحراك إذا حُلَّت أزمة النفايات أم أنه تجاوز مسألة استيعابه وصار رقماً صعباً؟

هل ينطوي الحراك الشعبي الذي تضج به البلاد منذ نحو ثلاثة أشهر وينسحب المشاركون فيه من الشارع اذا حلَّت، غداً أو بعد غد، مشكلة النفايات؟

سؤال يعتمل منذ فترة في اوساط الجماعات والمجموعات المشاركة في الحراك، وتحديدا تلك التي في اساسه او تلك التي انضمت اليه لاحقا معطية اياه نكهة جديدة وبعدا آخر.

ثمة معلومات راجت خلال الساعات الـ36 الماضية تتحدث عن نقاش اثير داخل لجنة المتابعة لحراك 29 آب التي تضم ممثلين عن كل مجموعات الحراك واتجاهاتهم، حول كيفية التعامل مع مشروع الوزير اكرم شهيب لحل ازمة النفايات، وان الرأي انقسم اتجاهين: الاول يدعو الى القبول بالمشروع ومن ثم الانتقال الى التصدي لقضية اخرى جاذبة للاهتمام وهي قضية انقطاع التيار الكهربائي والعمل على رفع شعارها حتى النهاية.

والثاني شكك في هذا المشروع ودعا الى الاعتراض عليه على اساس انه يقوم على مرحلتين الاولى انتقالية ومدتها سنة ونصف سنة وتقضي باحياء دور شركة “سوكلين”، والثانية مستدامة وتنطوي على ثغرة جلية وهي انها خطة غامضة وافقها ملتبس وغير مضمون.

وعليه فالواضح ان في صفوف الحراك من ولج فعلا مرحلة البحث عن سبل وعناوين من شانها ابقاء نبض الحراك حيا من خلال امرين اساسيين:

الاول: حقن الحراك بشعارات ذات مضامين اجتماعية كمثل “تحرير” الاملاك العامة التي تمت مصادرتها او وضع اليد عليها من شركات، فكان توجههم المعلن الى منطقة “الزيتونة باي” ومن ثم اندفاعهم المفاجىء الى منطقة الدالية في الروشة.

والثاني: تعزيز التوجه لمحاربة الفساد ومحاسبة المرتكبين وناهبي المال العام، اي ما صار يعرف باصحاب الايدي السود ولو بمفعول رجعي.

لم يعد خافيا ان في اوساط راصدي الحراك من بدأ يستشعر ان بين اركان السلطة من بدا يغادر الشعار الذي رفعه في مستهل الحراك، وفحواه ان لاخوف من تداعيات هذا الحراك وولج فعليا مرحلة التعبير عن ضيقه من اطالة امد الحراك وتجذر شعاراته. وليس جديدا الاشارة الى ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط هو الذي كانت لديه الجرأة للقول ان التحركات العشوائية للحراك بدأت تعطي مفعولا عكسيا، محذرا مما اسماه استغلال بعض السياسيين لـ”الجزء البريء” من الحراك والتحريض على الحكومة.

وثمة من يشير الى ان هذه الخشية المضمرة من الحراك الشارعي وامتداده هي التي دفعت اصلا رئيس الحكومة تمام سلام ومحوره السياسي الى تنحية رضائية او قسرية لوزير البيئة محمد المشنوق واناطة الملف بوزير الزراعة اكرم شهيب للتعجيل في ايجاد الحل كمدخل لاطفاء جذوة الحراك وسحب المتحركين من الشارع، خصوصا ان ثمة كلاماً في الاوساط السلطوية على ان الحراك بدأت تقبض على زمامه قوى وجهات يمكن ان تاخذه الى مناح جذرية راديكالية. وترافق ذلك مع تطور آخر يتمثل في ان قوى تخلت عن تحفظها عن الحراك وشرعت في مجاراته وتظهير شرعيته، وبالتحديد “حزب الله” فيما انتقل “التيار الوطني الحر” من موقف التصادم مع الحراك كونه “سرق شعاراته” الى موقف أكثر مرونة من ذي قبل حياله.

فضلا عن ذلك، ثمة شعور لدى قسم من السلطة ان في الحراك من يريد ويسعى الى صدام مدو مع رجال الامن يؤدي الى اسالة الدماء فيكون ذلك تكراراً لتجارب مماثلة حصلت في النصف الاول من سبعينات القرن الماضي مما فخخ الاوضاع.

لذلك لم يعد خفيا ان الاوامر المعطاة الى قوى الامن تتركز على تلافي اي صدام مع المشاركين في الحراك تحت اي وطأة، والدليل على ذلك ان قوى الامن تركت المتظاهرين يزيلون السياج حول منطقة الدالية البحرية وان يدخلوا منطقة “الزيتونة باي” وكانهم يدخلون حديقة عامة من دون ان تلجا الى منعهم او قمعهم.

انه اذا وعي، وان اتى متاخرا من السلطة، عنوانه العريض ان القمع واستخدام العنف والشدة كما حصل في مستهل الحراك في ساحة رياض الصلح، يؤدي الى تاجيج الحراك، وان بقاءه من دون اعتراض سيحوله شارعاً آخر الى جانب الشوارع الاخرى الموجودة.

وبناء على كل هذه المعطيات، ثمة من يراهن على ان الحراك وجمهوره المتحفز سيعود عاجلا ام اجلا الى قواعده مكتفيا “بغنيمة” من أمرين: الاول حل ازمة النفايات تحت وطأة الحراك، والثاني ان الحراك اربك السلطة وأظهر للعيان مدى قصورها وهشاشتها وسوء اداء الطبقة الحاكمة منذ نحو ربع قرن، بدليل ان الكل يذمّ تجربتها ويشير بالبنان الى مكامن الخلل واوجه الفساد فيها، وبالتالي فان هذا الحراك المستمر منذ تموز الماضي سيغادر الميدان وقد رسخ نفسه محطة نضالية لشريحة شبابية اضناها طول التهميش وعدم الاعتراف بها كرافعة للتغيير.

وفي المقابل، ثمة من يجد ان الحراك تجاوز مسألة استيعابه بسهولة وانه استحال رقما صعبا يستحيل شطبه كيفما اتجهت الامور.

ويذهب رئيس “حركة الشعب” نجاح واكيم الى حد القول ان الحراك فاجا الجميع، وانه انطلق عفويا دون تخطيط من اي جهة، وانه عبارة عن انفجار شارع بلغ الاحتقان فيه الذروة. ويشير الى انه من الطبيعي ان مجموعات تشارك في الحراك سينال منها التعب ولن تلبث ان تغادر الميدان، في حين ان مجموعات اخرى ستذهب الى الابعد، الى تجذير الحراك وتلج عتبة البحث عن خريطة طريق نحو تغيير حقيقي يفضي الى الانقاذ. ويعرب عن اعتقاده بان شعار اسقاط النظام لم يعد جديرا بالاهتمام لان النظام تداعى تلقائيا واكل نفسه، وان على المشاركين في الحراك البحث عن خريطة تغيير متسلحين بالشجاعة والحنكة والحكمة، وفي الوقت عينه عليهم ان يدركوا حجم التحديات التي تنتظرهم وابرزها ان الحاكمين على استعداد اذا ما استشعروا الخطر الذهاب الى اسوا الاحتمالات بما فيها اسقاط الهيكل على الجميع واحراق البلاد.

ومهما يكن من امر فلا شك في ان الحراك الذي لم يجذب انتباه كثيرين في مستهله قد انتقل اخيرا الى مرحلة تخيف الحاكمين، ولم يعد صنع الاعلام المتلفز فحسب. وثمة من بدا في اوساطه يعقد رهانا على اكمال ما بدأه بمكاسب تتعدى ازالة النفايات المتراكمة، فهل سيكسب الرهان؟