يبدو ان حرارة الطقس المنخفضة لم تنعكس على مطالب الاطراف السياسية المعنية بالتشكيلة الحكومية، اذ ما ان تنفك عقدة حتى تتوالد سلسلة من العقد في دوامة اختلط فيها السياسي بالمذهبي وصولا الى تحديد الاحجام، على وقع الرسائل الحامية في رحلة تدوير زوايا متعثرة.
فعين التينة تجزم امام زوارها بأن التعطيل نتيجة طبيعية لاستفراد الثنائي المسيحي بالحصص الوزارية ، ومن خلفه حليفه السني، في مقابل تأكيد قواتي بأن العلة الاساسية هي ذات طبيعة وطنية لا حكومية وتتصل بمحاولات الثنائي الشيعي تقييد العهد، وبين الاثنين بنشعي التي سقطت عند ابوابها محاولات «الغائها» كما يرى مقربون منها، الذين يرحبون بزيارة البيك الى بعبدا لكن ليس لمجرد صورة ، «ففي النهاية الجنرال بي الكل والزيارة ليست مشكلة».
واذا كان تركيز الرئيس المكلف منصب حاليا على اقناع الرئيس نبيه بري كي يقنع المردة بالقبول بحقيبة التربية، بعد سقوط اقتراحي الصحة والعدل، لانهاء الكباش على الحقائب السيادية والوازنة ويسهل الولادة ويسقط طرح الحكومة الثلاثينية، فان عقدة زغرتا المستعصية تحولت الى معضلة عصية على اي حل مع تأكيد مصادر مواكبة للتأليف ان النائب سليمان فرنجية رفع سقف مطالبه، بعد تحديد الوزارات الثلاث التي تليق بتياره، الى الاصرار على تمثيله بوزير ماروني رافضا ان تقتطع حصته من الحساب الأرثوذكسي، المتعثر عند وعد الوطني الحر كما المستقبل بتوزير النائب اسعد حردان، وما زاد من طين بلة التمثيل القومي،رفض رئيس مجلس النواب القاطع التنازل عن اي وزير شيعي لغير الثنائي في ظل التناتش الحاصل على الحصص.
وفي هذا الاطار تكشف المصادر ان اجواء من الملل بدأت تسود بين القيادات بخاصة تلك التي عمدت على تسهيل الولادة الحكومية «متعالية» عن الحصص، باعتبار التشكيل اولوية قصوى لانقاذ العهد بداية، وثانيا احتراق المهل الفاصلة عن الانتخابات النيابية من دون التوصل الى قانون انتخاب، الثالثة بلوغ الدولة ادارة وخزينة مرحلة متقدمة من الاهتراء والتحلل،الا ان تلك المواقف بدأت في التأثير في القواعد الشعبية، ولعل اكثر تلك الفئات تضررا الحزب التقدمي الاشتراكي الذي بدأ يواجه «انتفاضة» درزية في الجبل بعد تحرك الوزير السابق وئام وهاب والصرخة التي اطلقها المير طلال ارسلان، بعدما ضحى به جنبلاط.
وسط كل ذلك ترى اوساط سياسية مسيحية، ان الثنائي الشيعي يسعى الى انتزاع ثلث معطل أو حصة وازنة في الحكومة العتيدة تمكّنه من تمرير طروحاته، لاعادة قواعد اللعبة السياسية الى ما كانت عليه في العقدين الماضيين، حيث لم تكن تتم مراعاة مضامين «الطائف» خلال التأليف، وهو ما اصبح من الماضي مع وصول المسيحي القوي الى بعبدا، حيث استعاد العماد عون دور وحضور الرئاسة، عاملا مع الرئيس المكلف على التشكيل بالتفاوض مع القوى الاخرى، وهو ما لا يرضي الثنائية التي تريد ان تكون شريكا ثالثا في المشاورات وفي وضع التركيبات، وتريد ان تثبت ان «الضاحية معبر أساسي الى الحكومة».
امر قد يترك تداعياته على العلاقة بين العماد عون وحزب الله، رغم تغريدات الوزير السابق وئام وهاب المطمئنة،خصوصا ان ايا من مسؤولي الطرفين لم يخرج ليرد على ما يثار عن انقطاع للاتصالات بين الطرفين منذ ايام، وسط استمرار الحملة ضد الوزير باسيل وهي مرشحة للتصاعد على ما يبدو خلال الايام المقبلة.
تختصر تغريدة النائب وليد جنبلاط بأن الحكومة الافتراضية لا تزال في الحجر الصحي المشهد السياسي الداخلي، بعدما اصبحت الازمة مرتبطة بشكل وثيق بتحديد أحجام وأزمة ثقة وحسابات انتخابية،فيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري محكومان ببوصلة سياسية يحرصان من خلالها على حكومة وحدة وطنية قبل اللجوء الى خيـارات أخرى بينها حكومة تكنوقراط مصغرة تضع مشروع موازنة عـامـة ومشـروع قانـون للإنتخابـات قد يكون مخـتلطا.
فكيف سيتصرف الرئيس المكلف بعدما اتضحت مطبات التأليف؟ وكيف الخروج من هذا المأزق؟