تكتسب زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى لبنان في السادس عشر من الشهر الجاري أهمية خاصة، سواء في توقيتها المتزامن مع الاتفاق الروسي – الأميركي على إنهاء النزاع السوري سلمياً، أو في ما يحمله صديق لبنان واللبنانيين في جعبته من نصائح وحلول لأزمات هذا البلد المستعصية على الحل بدءاً بملء الشغور الرئاسي وانتهاءً بتحصين ضد تداعيات ما يجري في الإقليم ولا سيما في سوريا، انطلاقاً من حرص فرنسا الدائم على وحدته واستقراره كنموذج للديمقراطية.
لقاءات الرئيس الفرنسي ستشمل بالإضافة إلى رئيسي مجلس النواب والحكومة، والبطريرك الماروني مار بشارة الراعي رؤساء الأحزاب ومختلف الكتل النيابية على مأدبة غداء تقيمها السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، وستشكل هذه المناسبة فرصة للرئيس الفرنسي لتبادل وجهات النظر مع المسؤولين اللبنانيين كافة حول التطورات التي تشهدها المنطقة وتداعياتها على لبنان والسبل الآيلة إلى تحصينه والمحافظة على وحدته واستقراره وأمنه مع الحفاظ على دوره التاريخي المميز في المنطقة.
وأهمية هذه الزيارة انها تأتي بالتزامن مع الاتفاق الأميركي – الروسي على وقف الاقتتال الدائر في سوريا بين النظام والمعارضة، وتوفير ارضية سياسية ملائمة للانتقال السلمي عبر حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات كاملة وتتولى الاشراف على انتخابات نيابية بعد الانتهاء من وضع دستور جديد للبلاد.
وليس خافياً ان فرنسا قيادة وشعباً حريصون على وحدة واستقرار هذا البلد وعلى صيغة العيش المشترك التي ساهمت فرنسا في صناعتها ليكون لبنان قبلة هذا الشرق والنموذج الفريد فيه وفي العالم، ومن البديهي ان يُعيد الرئيس الفرنسي على القيادات اللبنانية التي سيلتقيها التأكيد على تمسك فرنسا بهذا النموذج، وعلى دعوة الجميع إلى التمسك به، وعدم الانزلاق إلى أي مشروع آخر مناقض له، ويحثها بالتالي على التوافق في ما بينها على إعادة انتظام المؤسسات الدستورية بدءاً بالاتفاق السريع على ملء الشغور في رئاسة الجمهورية بإرادة لبنانية غير مرتهنة للخارج، وسيرى اللبنانيون عندها مدى حرص العالم على بلدهم واستعداده لدعمه في كل المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية حتى يستعيد عافيته ودوره المميز في الإقليم.
لكن المفارقة ان الرئيس هولاند الذي لا يُخفي تعاطفه مع لبنان وشعبه، سيكتشف في خلال لقاءاته مع القيادات اللبنانية مدى اتساع الهوة بينها والاختلاف العميق في النظرة إلى ما تشهده المنطقة وتداعياتها على بلدهم، لا سيما وانه ليس بعيداً عن الأجواء الداخلية، وهو المتابع لما يجري على الساحة الداخلية وما يعتريها من تناقضات تصل إلى حدود الافتراق الكامل رغم الكلام المعسول الذي يمكن ان يسمعه من هذه القيادات أو من بعضها، الأمر الذي أدى إلى تفويت كل الفرص المتاحة لهم للتوصل الى تسوية شاملة للمشاكل العالقة ومنها أزمة الاستحقاق وملء الشغور في رئاسة الجمهورية التي بات استمرارها يُشكّل خطراً على الدولة والكيان معاً.
وفي مطلق الأحوال يبقى هناك أمل كبير في ان تعطي زيارة هولاند ونصائحه، دعماً معنوياً للبنانيين بأنهم ليسوا متروكين لوحدهم في هذا البحر الهائج الذي تعيشه المنطقة، وأن ثمة إرادة دولية ما زالت تحرص على بقاء هذا البلد نموذجاً للتعددية والديمقراطية والعيش المشترك في المنطقة.