فكرة «المؤسسات» التي شُيّد عليها الحزب السوري القومي الاجتماعي، ليست بالأمر العابر. هو من الأحزاب القليلة، غير الطائفية وغير العائلية، التي تؤمن بالعمل المؤسساتي. فتجده يُحاول جاهداً التوفيق بين نظام «الشكل» (المؤسسات) ونظام الفكر أو العقيدة. الترابط بينهما وعدم تفضيل واحدة على الأخرى، حفظ الحزب على مدى عقود.
ويوم حاول عدد من «الرفاق» تنظيم أنفسهم كـ»فصيل معارض» خارج المؤسسات، ارتدّ الأمر سلباً عليهم وعلى حزبهم. فلا هم تمكنوا من «انتزاع» الشرعية، ولا القيادة عدلت عن «النهج» الذي يرونه مسيئاً إلى «المؤسسة». أما ما حصل في 22 الشهر الحالي، لجهة قبول المحكمة الحزبية برئاسة ميشال الحاج الطعن المُقدم من عضو المجلس الأعلى أنطون خليل بإبطال التعديل الدستوري الذي سمح لرئيس الحزب السابق أسعد حردان الترشح لولاية رئاسية ثالثة، ثم التزام المجلس الأعلى هذا القرار المُبرم، فما هو إلا دليل على رسوخ فكرة «المؤسسات» في الوجدان القومي. علماً أنه كان بإمكان حردان، لو أراد، «التمرد» على قرار المحكمة واللجوء إلى خيارات أخرى، منها: إعلان حالة الطوارئ في الحزب أو رفض الحُكم ودعوة المحكمة إلى مناقشته أمام المجلس الأعلى.
في أقل من شهرٍ، ستُفتح أبواب «المركز» من جديد أمام أعضاء المجلس الأعلى الـ17 لانتخاب خلفٍ لحردان. الرئيس العتيد «لن يكون إلا على صورة حردان ومثاله»، بحسب ما يُفهم من مقربين من «الرئيس السابق» للحزب. أولاً، لأنه هو صاحب الأكثرية في «المجلس» وحاصد نسبة الـ87% من أصوات المندوبين الحزبيين. ثانياً، لأنّ أيّاً من المعارضين لحردان داخل الحزب لن يرغب في «كسر» صورة رئيسهم السابق، بعد أن سُحبت منه الرئاسة بهذه الطريقة. والدليل على ذلك مواقف أبرز المعارضين، رئيس الحزب السابق جبران عريجي وخليل اللذين رحّبا بردّ فعل «الأمين أسعد». لذلك، يتجه حردان إلى «التشدد» أكثر، في محاولة منه لـ»ردّ اعتباره» عبر التأكيد أنّ «الأمر في القومي لا يزال لي». هذه هي «المرحلة الأولى، أما بعد الخامس من آب (موعد انتخاب رئيس جديد) فسيعود إلى منطق محاولة استيعاب المعارضين»، استناداً إلى مصدر مسؤول في «المركز».
ثلاثة أسماء «جدية» طُرح موضوع ترشحها إلى رئاسة الحزب، وهي: الرئيس السابق علي قانصو (صاحب الحظ الأوفر)، عضو المجلس الأعلى كمال النابلسي (الذي يُعَدّ اسماً استفزازياً للمعارضين، لكونه الأكثر التصاقاً بحردان)، وعميد الخارجية في الحزب حسّان صقر الذي أبلغ قيادة حزبه أن ترشحه غير وارد في المرحلة الحالية. «الحزب يمر بمرحلة حساسة، وليس من السهل أن يحكم أي شخص بعد رئيس كحردان»، استناداً إلى المصادر الحزبية.
التهليل لقرار المحكمة الحزبية وغبطة عدد من المعارضين بعزل حردان، لا يعنيان أنّ «النهج» الذي يعارضونه سيزول. تقول المصادر إنّ من المتوقع تقاسم القيادة، «فيبقى حردان مُشرفاً على الملفات الاستراتيجية كقرار الحرب في سوريا، وملف الوحدة مع جناح وزير المصالحة السورية علي حيدر والملفّ المالي». أما الرئيس الجديد فمهمته أن «يعمل على حلّ الثُّغَر الإدارية والتنظيمية التي لم يتمكن حردان منها». وبالنسبة إلى مجلس العُمد، الذي كان حردان قد اختار أعضاءه الـ15 الثابتين، «فليس من المتوقع أن يتبدلوا».
لكن، في مقابل المصادر القريبة من حردان، تبدو نظرة معارضيه مغايرة تماماً. بعضهم بات يقول فيه كلاماً إيجابياً لم يسبق لهم أن عبّروا إلا عن عكسه قبل الانتخابات. يرى مصدر معارض لحردان، من داخل المجلس الأعلى، أن الرجل الذي «احترم قرار المحكمة الحزبية، لا بد أنه يفكّر حالياً بخيار جامع، يستطيع النهوض بالحزب، لا وفق «قاعدة الأمر لي»، ولا على أساس رئيس على صورتي ومثالي». ويرى المصدر نفسه أن قرار المحكمة، ثم التزام المجلس الأعلى به، «خلقا قوة مؤسساتية، لن تسمح بتجاوز المؤسسات، ولا بالإتيان برئيس صوريّ». ولأجل ذلك، تؤكد المصادر أن البحث في أسماء المرشحين لخلافة «الأمين أسعد» لا يزال مبكراً، «والنقاش حالياً هو في الإطار العام الذي سيُنتخَب رئيس لتثبيته».