يُجمع اقطاب 8 آذار – ما عدا النائب سليمان فرنجيه طبعاً – على ان مبادرة الرئيس سعد الحريري للإتيان بفرنجيه رئيسا لاقت حتفها، وان كل ما يقال عن اعطائها زخماً جديداً مطلع السنة الجديدة، ما هو الا محاولة اعلامية لإنعاشها، او لإنقاذ ماء الوجه. يحتفلون بانتصار وهمي على سعد الحريري، ويهللون لإسقاط مبادرة كادت ان تقضي على الشغور الرئاسي الممتد منذ سنة ونصف سنة، والذي يزيد من اهتراء المؤسسات وتفكك الدولة. اذاً هم يسكرون بتهديم اسس الدولة، ويهدفون الى استمرار الفراغ.
ربما يعلم بعض اقطاب 8 آذار، او ربما لا يعلمون، انهم باتوا، او كانوا منذ البدء، ادوات واحجارا صغيرة يحركها لاعب اكبر لا يدركون اهدافه الحقيقية، لكنهم مضطرون، بطريقة او بأخرى، الى اتباعه والرضوخ لمشيئته، لانهم لا يملكون بديلا، ولانهم لا يملكون العتاد ولا المال لمواجهة الآخر. او ربما لانهم تعوّدوا منذ زمن الوصاية، وهي مستترة حالياً، سياسة الترغيب حينا، والترهيب احيانا. وما اتفاق عبور السوريين عبر لبنان قبل يومين، وفي الاتجاهين، من دون اعتراض اي من الممانعين، ومن دون تعرض لمقاتلي المعارضة السورية اثناء عبورهم الضاحية الجنوبية لبيروت، الا دليل على ان الامور ممسوكة، وانها لا تتفلت الا عندما يغض البعض نظره، فتتحرك الامور سياسيا وميدانيا.
يحق لأي شخص او حزب او فريق سياسي ان يسقط مشروعاً مقابلاً اذا كان يملك خطة بديلة ومشروعة ومقبولة من الآخر، اذ يمكنه تسويقها ورقة بديلة. لكن نسف كل مشروع من دون البديل الواضح، فهو إما إمعان في الفشل، واما باطنية يراد بها ما لا يدركه اللبنانيون، ويراد منها الإبقاء على مصير لبنان معلقاً بالملفات الاقليمية الشائكة.
يرد البعض بان العماد ميشال عون هو البديل. لكن عون ووجه برفض من الداخل قبل الخارج، (وكلنا نعلم مدى تأثير الخارج علينا في السياسة والتسليح والتمويل، ولا يزايدنّ احد على غيره في هذا المجال) فهو يواجه “كتلة المستقبل”، والرئيس نبيه بري وكتلته، والنائب وليد جنبلاط وكتلته، وايضا “القوات اللبنانية” والكتائب والمسيحيين المستقلين، وبات نواب “تيار المردة” في صفوف معارضيه، بما يعني انه يفتقد الاكثرية النيابية والشرعية الميثاقية التي لا يعوضها حضور مسلم او اثنين في اجتماعات “تكتل التغيير والاصلاح”. وما فرنجيه الا الوجه الآخر لهذا الخط ولهذا الفريق.
واذا كانت حجة الرفض بان للحريري مصلحة في الإتيان بفرنجيه رئيسا، لضمان عودته رئيسا للحكومة، فإنه كمن يشتري سمكا في البحر، لان تجربة فرنجيه مع والده الرئيس رفيق الحريري لم تكن مشجعة، ولان خبرة الحريري الابن مع فريق 8 آذار لا تبشره بخير عميم، وبالتالي فان المصلحة غير مضمونة اولاً، ثم ان لا مانع اذا كان الحل يحقق مصالح مشتركة لفريقي 8 و14 آذار، الا اذا كان المطلوب هو رأس الحريري.