Site icon IMLebanon

هل يتجرع الحريري كأس عون؟

الحرارة التي دبت في عقدة الفراغ الرئاسي في لبنان٬ جاءت بعد عودة سعد الحريري إلى بيروت لأسباب ثلاثة: أولاً أن الحريري قال قبل أشهر إنه لن يعود إلى بيروت من دون حل للفراغ الرئاسي٬ وثانًيا الخبر الذي نشرته صحيفة «عكاظ» قبل ساعات من عودته٬ وفيه أن الحريري سيعود من الرياض ويمشي بتأييد النائب ميشال عون٬ متخلًيا عن مرشحه السابق النائب سليمان فرنجية٬ وثالًثا صعود الحريري مباشرة بعد وصوله إلى بنشعي مقر فرنجية٬ فيما بدا أنه محاولة لإبلاغه باستدارته نحو عون.

لكن الملف الرئاسي سرعان ما غرق في حّمى من الغموض والتأويل٬ وهكذا انتهت الجلسة رقم 45 التي عقدها المجلس النيابي يوم الأربعاء الماضي دون انتخاب الرئيس٬ وليس من الواضح إذا كانت الجلسة المقبلة التي ستعقد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي ستنجح في انتخابه٬ في غضون ذلك تستمر المحاولات المغرضة لتحميل السعودية مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس لبناني جديد٬ رغم أن المسؤولين في الرياض والدبلوماسيين السعوديين يكررون منذ عامين ونّيف٬ أن الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني لا نتدخل فيه٬ وما يتفق عليه الأشقاء في لبنان لا نتردد في مباركته.

وعلى امتداد كل الجلسات استمر تكتل الثامن من آذار ومحوره «حزب الله» في تعطيل النصاب البرلماني لانتخاب الرئيس٬ رغم توافر مرشحين اثنين من فريق 8 آذار٬ هما عون الذي طالما قال الحزب إنه مرشحه الأوحد٬ وفرنجية حليف الحزب٬ وهكذا رغم أن الحريري لم يعد إلى بيروت من الرياض بل من باريس٬ تجددت محاولات تلبيس السعودية مسؤولية عرقلة انتخاب رئيس جديد.

كانت المفارقة فاضحة ومعيبة بالنسبة إلى كثيرين من اللبنانيين المتنورين الذي غرقوا في المرارة٬ وهم يتابعون على خطين متوازيين المناظرة الأولى التي جرت أمام الأميركيين٬ بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب٬ رغم فقر عمقها ومحتواها٬ ولغة الألغاز وأجواء التبصير والتخمين في الملف الرئاسي التي أثارها الِحراك المستجد بعد عودة الحريري٬ الذي يرى البعض أنه بات محاصًرا بسلسلة من المشكلات٬ ستدفعه إلى القبول بتأييد عون رغم «ما صنع الدهر» بين عون و«تيار المستقبل»٬ الذي طالما

عارض انتخابه واعتبر الأمر استكمالاً لسياسة الأمر الواقع التي يفرضها «حزب الله» على لبنان حتى في مسألة اختيار رئيسه!

في مقدم هذه الألغاز التي سيطرت على الردهة السياسية في بيروت٬ تغريدة النائب وليد جنبلاط على «تويتر»٬ مباشرة بعد عودة الوزير وائل أبو فاعور٬ الذي كان قد أوفده إلى الرياض لاستطلاع موقفها من تحرك الحريري٬ وقد جاءت على النحو الآتي: «يا لطيف تجعل البلاء خفيف»٬ وهو ما جعل كثيرين يتساءلون: ما المقصود بهذا البلاء٬ وبمن يمكن أن ينزل٬ ولماذا وعلى أي أساس وطبًقا لأي تطور سلبي أو إيجابي في مسألة الاستحقاق الرئاسي؟

في موازاة هذا جاء التعليق من نبيه بري ليزيد الأمور غموًضا٬ لكن ليؤكد أن الرياض على موقفها من أنها على مسافة واحدة من الجميع٬ وأن ما يتفق عليه اللبنانيون تباركه٬ ذلك أنه بعد اتصال مع جنبلاط بعد عودة أبو فاعور من زيارة السعودية٬ علق بالقول: «ذهب مختاًرا وعاد محتاًرا»٬ بما يعني أن أبو فاعور لم يأِت بأي موقف مستجد أو متغّير من الرياض.

وهكذا أقفل الأسبوع على تساؤلات عما إذا كان الحريري يستطيع أن يتجاوز العقبات الكثيرة التي تعترضه٬ إذا قرر فعلاً الانتقال من قراره السابق ترشيح فرنجية وما أحدثه من تململ في صفوف «تيار المستقبل» في حينه إلى تأييد ترشيح عون٬ ولعل في مقدم هذه العقبات موقف نبيه بري الذي عندما قيل له قبل أيام إن هناك طبخة في الكواليس تتم في معزل عنه٬ قال: «وهذا ما يفّسر أنهم لن يأكلوا».

وعندما قيل له إن الحريري سيتولى معالجة موضوع فرنجية للسير بعون٬ وإن البعض يدعو «حزب الله» للضغط عليه للمضي في هذا الاتجاه٬ قال إن مرشحه المفضل هو التفاهم الوطني على سلّة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب وجدول أعمال الحوار الوطني٬ وبعدها يهون انتخاب الرئيس٬ وأنه إذا لم يتّم التوافق على هذه السلّة٬ وخصوًصا فيما يتعلّق بقانون الانتخاب فأي رئيس ننتخبه نكون قد صلبناه.

قياًسا بما واجهته عملية تشكيل الحكومات السابقة من التعطيل وضياع الوقت٬ سواء بالنسبة إلى رئاستها أو بالنسبة إلى توزيع حقائبها أو بالنسبة إلى كلمة هنا أو هناك َترد في بيانها الوزاري وكذلك بالنسبة إلى طريقة عملها٬ وخصوًصا بعدما تّم ذبح روح الديمقراطية القائمة على رجحان كفة الأكثرية بسكاكين هرطقة الديمقراطية التوافقية التي شّكلت سلاح التعطيل الدائم٬ ليس مستغرًبا أن يكون الحريري الآن مطالًبا بسلّة من التوافقات حول مروحة واسعة من هذه المسائل٬ كي يضمن مجموعة من الأمور قبل  النزول إلى البرلمان وانتخاب عون!

رغم الحديث المتصاعد عن اقتراب الحريري من شرب كأس عون كما يقول البعض٬ ورغم التأكيد أن هناك مفاوضات وراء الستار بين الطرفين وأنها قطعت مسافة جعلت الأجواء في أوساط «التيار الوطني الحر» أكثر تفاؤلاً بقرب انتخاب عون في الجلسة المقبلة٬ يبقى على الحريري أن يؤّمن سلة لا تضمن له فقط العودة إلى رئاسة الحكومة الجديدة٬ بل تضمن قدرته التمثيلية البرلمانية بعد أول انتخابات٬ بما يسمح له أن يبقى في السرايا لا أن يكون رئيس حكومة عابرة جاء لمهمة حددها خصومه٬ أي إيصال عون إلى الرئاسة ثم الذهاب إلى مواجهة أزماته الكثيرة.

على هذا هل يستطيع الحريري أن يجد مساحة مشتركة مع «حزب الله» بالنسبة إلى أسلوب حكومته العتيدة غًدا في مقاربة طوفان الأزمات الداخلية وفي التعامل مع الأزمات الخارجية٬ وفي مقدمها ما يجري مثلاً في سوريا واليمن والعراق قياًسا بالجو الإقليمي المتوتر٬ وهل يتمكن من أن يتوصل إلى صيغة لسلة ترضي بري وتصلح ذات البين بينه وبين عون٬ ثم كيف سيتعامل مع وليد جنبلاط في مسألة الرئاسة والحكومة والحقائب الوزارية وقانون الانتخاب٬ وكيف سيتعامل مع فرنجية الذي بدأ فوًرا جولة اتصالات معاكسة تشمل بري وجنبلاط وحزب الكتائب٬ لتشكيل جبهة تدعم ترشيحه في مواجهة عون.. ثم إن السؤال الذي كان مطروًحا في نهاية الأسبوع هو: هل يستطيع الحريري أن يضمن وقوف كل أعضاء كتلته النيابية مع قراره تأييد عون؟

ليس خافًيا على أحد أن تغريدة وليد جنبلاط على ظرفها٬ تختصر بكلمات قليلة الجو الملتهب في بيوتات سياسية كثيرة في بيروت تضرب الآن أخماًسا بأسداس٬ وفي مقدمها بيت الوسط»٬ والقول: «يا لطيف تجعل البلاء خفيف»٬ يعني أن البلوى زاحفة وستصيب كثيرين من السياسيين اللبنانيين٬ سواء نجح حراك الحريري أو لم ينجح في إنهاء الفراغ الرئاسي بعون أو بغيره.

والأظرف أن البلوى هنا حسنة٬ والحسنة هناك بلوى هنا٬ واضحك أو ابِك٬ فأنت في لبنان الذي يراوح في فراغ