حتى اليوم، لا يرى سليمان فرنجية في موقف ميشال عون سوى محاولة لقطع الطريق على انتخابه رئيسا، ولا يرى ميشال عون في ترشيح سليمان فرنجية بحدّ ذاته سوى محاولة لاقصائه نهائيا عن الحلبة الرئاسية.
يستمرّ الطرفان في سياسة ضبط النفس قدر المستطاع، وإن سجّل لفرنجية وضعه علنا النقاط على حروف الممانعة المسيحية له بدعوته الاقطاب الموارنة الثلاثة الى تحديد السبب الحقيقي لرفضهم له.
ستة أيام فقط فصلت بين إعلان عون من الرابية عن «اليوم السعيد» وإعلان سمير جعجع من معراب عن «يوم الانتصار» والشكر المتكرّر لسعد الحريري، عشية الجلسة التشريعية في 12 تشرين الثاني، «الذي بموقفه المشرّف جدا انتصر لمبادئ رفيق الحريري وأنقذ الموقف وأنقذ قانون الانتخاب والانتخابات النيابية»، وبين الموقف «غير المشرّف» للرئيس الحريري بتبنّيه ترشيح سليمان فرنجية من دون اي إخطار لحليفه المسيحي الاول، مرشّحه المفترض للرئاسة، ولا للزعيم المسيحي الاول الذي وعده يوما «برئاسة»!
عمليا لا الصمت الذي يلفّ دوائر القرار عند من يملكون مفتاح «الفرج» ولا المذكّرات الداخلية الصادرة عن الاحزاب، خصوصا من «تيار المستقبل» و «القوات اللبنانية» و «تيار المردة»، الموجّهة للمسؤولين والناشطين والانصار والمطالبة بضبط النفس وعدم الانجرار الى السجالات، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، قادرة على ان تخفّف من وطأة الصدمة عند المتلقين لمفاجأة الترشيح.
الانفعالات غير المضبوطة بسقوف «تقوم بالواجب» الى الحدّ الذي باتت فيه المعجزات تحصل فعلا: قواتيون يرشّحون ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وقيادات في «تيار المستقبل» تنظّم قصائد «وطنية» في حليف وصديق بشار الاسد وتسعى بنفسها لتسويقه رئيسا لكل اللبنانيين تحت طائلة المسؤولية!
لكن بالتأكيد على مستوى القادة الموارنة، الجميع تجاوز مرحلة الترشيح بحدّ ذاته باتجاه العمل الحثيث نحو إسقاطه: ميشال عون لا يزال يرى نفسه الأقدر على تحمّل مسؤوليات الرئاسة الاولى وقد ازداد تشبّثا بذلك بعد الاعلان عن الترشيح حيث فُضحت «نوايا إقصاء ممثل المسيحيين» بإحراق ورقته عبر حليفه الزغرتاوي. سمير جعجع لن يقبل بسليمان فرنجية لا الآن ولا بعد مئة عام، لا مع ضمانات ولا من دون ضمانات.. إلا إذا أعلن نفسه «ثائرا» في صفوف «14 آذار». على مستوى «حزب الكتائب» البراغماتية سيدة الموقف.. «نعطي ونأخذ».
آخر أخبار الرئاسة تأتي من الرابية، مفتاح دخول رئيس «تيار المردة» الى بعبدا: لا نجد أمامنا سوى معادلة فرنجية رئيسا للجمهورية والحريري رئيسا للحكومة ونوايا مضمرة بالابقاء على قانون الستين، فعلى ماذا نفاوض؟ وأين هي السلّة؟ باختصار، ميشال عون لا يزال مرشّحا لرئاسة الجمهورية.. ونقطة على السطر.
لكن القصة لا تكمن فقط في العقدة المسيحية وإن تبدو اليوم، بعد ان وافقـت «أســاطيل العالم» على سليمان فرنجـية، هي التي تقف عائقا اليوم أمام وصول «البيك» الى قصر بعبدا. ثمّة تساؤلات كبيرة تطرح من عمق المعادلة الرئاسية تؤشّر الى ان الحسم لا يزال بعيدا، خصوصا ان الشغور الذي طال لأكثر من عام ونصف لا شيء يحول من أن «يمدّد» له أسابيع وربما اشهرا إضافية:
ـ هل يريد «حزب الله» ان يعود سعد الحريري اصلا الى رئاسة الحكومة والى إحالة «تجربة العائلات السنية» في إدارة شؤون السرايا والسلطة التنفيذية الى التقاعد؟
ـ هل ان «حزب الله»، وقبل ميشال عون، مستعد لاعطاء الحريري مكاسب من الرئاسة الى الحكومة والامن والاقتصاد، يصعب أن تتأمّن له إلا بصيغة تشاركية في الحكم مع فرنجية تحديدا؟
ـ هل هو سعد الحريري نفسه الذي يعود الى السرايا أم ذاك الذي يحاول لملمة «بقايا» الزعامة على الشارع السني الذي فجع مرّة برؤية «الشيخ» يبيت في قصر بشار الاسد ومرّة أخرى بتخيير جمهوره بين سليمان فرنجية او الحرب الاهلية؟ وهل هو سعد صاحب المليارات أم المديون والملاحق بالرواتب المفقودة والمؤسّسات والشركات والعقارات المعروضة للبيع؟
ـ هل من أسباب غير معلومة دفعت الحريري الى التسريع في مغادرته الاراضي السعودية والانتقال الى بيروت، وفي هذه الحال رئيسا للحكومة وليس رئيسا سابقا يستقبل ويودّع في بيت الوسط؟
ـ بأي منطق قوة قادر سعد الحريري اليوم على فرض تسمية الرئيس حتى لو كان من المنتمين الى نادي الاقوياء؟ هل بالزند السعودي.. ولماذا؟ أم بالزند الاميركي، خصوصا ان معلومات تفيد ان دوائر القرار في الولايات المتحدة المؤثّرة بشكل مباشر في الملف الرئاسي «ليست في أجواء ترشيح فرنجية وغير متحمّسة له»؟!.