يواجه المتحاورون في 9 أيلول مشكلة انقسام اللبنانيّين وقادتهم ثلاث فئات لكل منها موقف للخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية:
1 – فئة تدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية الآن وليس غداً، وهي تشكل أكثرية في الداخل والخارج حرصاً منها على تطبيق الديموقراطية عبر المؤسّسات وليس عبر الشارع، وعلى تطبيق الدستور الذي ينصّ بوضوح على انتخاب رئيس للجمهورية “قبل أي أمر آخر”. وهذه الفئة تمثلها قوى 14 آذار ومن معها.
2 – فئة تدعو إلى انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب أو إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون جديد يكون عادلاً ومتوازناً تحقيقاً للمناصفة بين المسيحيين والمسلمين كي يكون المجلس النيابي الذي ينبثق منها ممثلاً تمثيلاً صحيحاً إرادة الشعب وهو الذي ينتخب رئيس الجمهورية ويكون انتخابه شرعياً وغير مطعون فيه، كما لو أنه انتخب من المجلس الحالي وهو غير شرعي من جراء التمديد له مرتين. وهذه الفئة يمثلها “التيار الوطني الحر” و”تكتل التغيير والاصلاح” برئاسة العماد ميشال عون و”حزب الله” ضمناً، وإيران التي يهمها شراء الوقت إلى أن تصبح جاهزة لتقول كلمتها في الاستحقاق الرئاسي.
لكن هذا الاقتراح يواجه معارضة من يدعون إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، وإلا كان إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية سابقة تعتمد في كل أزمة رئاسية يرى مرشحون أن لا حظوظ لهم في الفوز من خلال مجلس النواب القائم فيدعون إلى إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية علّ نتائجها تأتي لمصلحة فوزهم. وهذا ما يفكر فيه العماد عون عندما يقول عن المجلس الحالي إنه غير شرعي لا لشيء سوى لأن حظه في الفوز بالرئاسة ضئيل من خلاله، وقد يكون حظه أوفر بعد انتخاب مجلس نيابي جديد. واقتراح عون ومن معه من جهة أخرى، يخالف الدستور ويجعل مشاريع مهمة يتم إقرارها وسدة الرئاسة شاغرة وكأن لا أهمية لوجود رئيس للبلاد، عدا أن استمرار هذا الشغور إلى أجل غير معروف ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، فضلاً عن أن أحداً لا يستطيع ضمان استمرار الاستقرار الأمني لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في كل لبنان. وعندها يصبح لبنان بلا رئيس وبلا مجلس نيابي وبلا حكومة، وهو الفراغ الشامل الذي يخطط له بعض من في الداخل وبعض من في الخارج لإسقاط الجمهورية الحالية وإقامة جمهورية جديدة مجهولة المعالم…
3 – فئة تدعو إلى حل وسط يقضي بانتخاب رئيس مرحلي بواسطة المجلس الحالي لمدة سنة أو سنتين، ويتم خلال هذه المدة إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، وينتخب المجلس المنبثق منها رئيس جمهورية جديداً لست سنوات. وهذا الاقتراح سيعلنه الرئيس السابق ميشال سليمان مع تفاصيله، وكان الرئيس حسين الحسيني قد اقترحه أيضاً في مستهل أزمة الانتخابات الرئاسية ولم يحظ بالاهتمام لأن الأمل كان لا يزال كبيراً في التوصل إلى انتخاب رئيس.
إن هذا الاقتراح قد يصبح مقبولاً لأن الرئيس الذي سينتخب من مجلس النواب الحالي قد يكون رئيس إدارة أزمة في ظل الظروف المحلية والعربية والاقليمية السائدة، في حين أن المطلوب رئيس لمرحلة ما بعد حل الأزمة كي يستطيع أن يكون رئيساً قادراً على إقامة الدولة القوية التي لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها.
والسؤال المطروح هو: ماذا في استطاعة المتحاورين في جلسة 9 أيلول أن يفعلوا حيال هذا الانقسام، وهل في إمكانهم التوافق على أي اقتراح من الاقتراحات الثلاثة أو على أي اقتراح آخر يخرج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن الخلاف بين المتحاورين لا يحسمه تصويت بل توافق؟ وهل هذا يعني أن الأمل بنجاح الحوار قد تضاءل، أم أن دعماً خارجياً مفاجئاً قد يأتي ويساعد على الحل؟
الواقع أن ما من مرة كان الاحتكام إلى الشارع هو الحل إلا إذا كان واحداً والهدف واحداً. فالشارع الذي طالب بالاستقلال والتخلص من الانتداب كان واحداً، أما الشارع الذي كان شوارع فقد أشعل حوادث 1958 ثم أشعل حرب الـ75، والشارع الذي أخرج القوات السورية من كل لبنان عام 2005 قابله شارع قال لهذه القوات “شكرا وإلى اللقاء”… ولم يتوصل اللبنانيون من خلال هذين الشارعين المتعارضين إلى إقامة دولة قوية تستطيع بسط سيادتها على كل أراضيها وتطبيق القانون بالعدل والمساواة على الجميع. وإذا كان شارع “التيار الوطني الحر” يدعو إلى إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية، فإن شارعاً آخر قادر وبحجم أكبر على معارضة ذلك والدعوة إلى انتخابات رئاسية قبل النيابية وقبل أي أمر آخر كما نص الدستور. لذلك فلا حلّ لبنانيّاً مع هذا الانقسام، ولا شرعية عندما يصير الاحتكام إلى الشارع…