هل يتحوّل النزاع حول الغاز بين لبنان وإسرائيل إلى خطر يشعل المنطقة؟ سؤال طرحته صحيفة «The Marker» الإسرائيلية المتخصصة بالشؤون الاقتصادية. وتحت عنوان «الخلافات حول الغاز تشكل خطر الاشتعال الإقليمي»، اعتبر الباحث في معهد بحوث الأمن القومي، عوديد عيران، أن «شلل الحكومة اللبنانية على مدى السنوات الماضية حال دون نزاع مع إسرائيل في شأن الغاز. وبعد حلحلة العقد السياسية والانتخابات الرئاسية، فإن قرارات الحكومة الجديدة قد تهدد الاستقرار بعدما سرّعت عملية اتخاذ القرارات في المواضيع الرئيسية، ومن بينها التنقيب عن الغاز».
ولفت إلى مسارعة الحكومة الجديدة في كانون الثاني الماضي الى إقرار مرسومين للمضي في مناقصات التنقيب عن النفط بعدما وافقت الحكومة السابقة عام 2013 على 12 شركة للتنقيب، من بينها «إكسون موبيل» التي كان يديرها وزير الخارجية الأميركي الحالي ريكس تيلرسون. وأوضح أن «المرسومين يتعلقان بخمسة من أصل عشرة بلوكات حُدِّدت عام 2011، من بينها ثلاثة (البلوكات 8 و 9 و 10) تشكل نقطة خلاف مع إسرائيل». وذكّر بأنّ الترسيم اللبناني للحدود البحرية الذي أودع في مديرية البحار التابعة للأمم المتحدة، قبل ستة أعوام، استخدم نقاط انطلاق على الساحل لتحديد الخط الحدودي الجنوبي للمياه الاقتصادية اللبنانية، وسط تجاهل للموقف الإسرائيلي. «وعندما قررت إسرائيل، رداً على الخطوة اللبنانية، تحديد هذا الخط الحدودي، نشأت منطقة خلافية مساحتها 850 كلم مربعاً». وأشار إلى أن المحاولات الأميركية بين 2012 و2014 لحل هذا الخلاف باءت بالفشل بسبب رفض لبنان التسوية التي تقدم بها الأميركيون إلى الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية.
ورأى الباحث الإسرائيلي أن «قرارات الحكومة اللبنانية التي نُشرت الأسبوع الماضي تهدد باستئناف النزاع والإضرار بفرص استثمار الغاز اللبناني الذي يُقدر أن حجمه أقل بقليل من الحجم المقدر للمخزون الإسرائيلي، وكذلك بفرص استثمار النفط الذي يقدر حجمه بنحو مليار برميل». وأشار إلى أن «التدقيق في الخرائط التي أُرفقت بقرار الحكومة اللبنانية وترسيم الحدود للبلوكات 8 و9 و10 يُظهر تجاهلاً كلياً لاقتراح التسوية الأميركي، وللموقف الإسرائيلي».
يذكر أن الولايات المتحدة انتدبت عام 2012 موفدها الخاص إلى سوريا ولبنان، فريدريك هوف، للتفاوض على تسوية بشأن الحدود البحرية. وخلص هوف إلى اقتراح ينص على تقسيم المنطقة المتنازع عليها بشكل مؤقت، بحيث يعود ثلثاها إلى لبنان والثلث الباقي إلى الاحتلال الإسرائيلي، من دون إلغاء حق لبنان بالترسيم الذي وضعه بنفسه وينص على أن كامل الـ 850 كلم مربعاً المتنازع عليها تابعة للسيادة اللبنانية. وأفادت مصادر رسمية في حينه بأن هوف اقترح هذا الحل المؤقت في انتظار «الظروف المناسبة للتفاوض المباشر على تحديد الحدود، لأنه يسمح بمباشرة التنقيب من دون تحفظ من جانب الشركات». وتعهد هوف آنذاك أن تعمل الإدارة الأميركية على إقناع إسرائيل بالحل المؤقت الذي لا يعوق تحقيق مصلحة الجانبين الإسرائيلي واللبناني ببدء التنقيب عن ثرواتهما الغازية والنفطية.
واعتبر عيران أن إقرار المرسومين قد يعود إلى رغبة لبنان في «استغلال الأيام الفاصلة قبل بدء ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لفرض وقائع على الورق على الأقل». ورأى أن «الحكومة الإسرائيلية لا تستطيع ألّا ترد على قرارات لبنان. ومن شأن أي رد، حتى لو كان معتدلاً، أن يوقف المناقصات»، و»يمكن أن نفترض أن الشركات التي اختيرَت ستتردد في الاستثمار في مكان مليء بالتوتر. كذلك يجب أن نتأمل أن يكون رد الحكومة الإسرائيلية معتدلاً ويبقي ثغرة لاستغلال الوقت الباقي حتى منتصف أيلول للعمل الدبلوماسي لتسوية المشاكل التي يمكن أن تنشأ في ما لو جرى اكتشاف غاز من المساحة المتنازع عليها».
وخلص عيران إلى أنه «قد تكون الحكومة اللبنانية عادت إلى عملها الروتيني، لكنها لم تنعتق كلياً من المشاكل السياسية المزمنة، بما فيها سيطرة العناصر المتطرفة، وفي مقدمتها حزب الله على قراراتها السياسية والاقتصادية أيضاً».
يذكر أن المؤسسة الأميركية للمسح الجيولوجي قدرت الموارد النفطية والغازية في شرق البحر المتوسط بـ ١,٧ بليون برميل من النفط و١٢٢ تريليون قدم مكعب من الغاز. وكان وزير الطاقة والمياه، جبران باسيل، أعلن عام 2013 أن التقديرات تشير إلى أنّ لدى لبنان 95,9 تريليون قدم مكعب من الغاز و865 مليون برميل من النفط في 45% من مياهه الاقتصادية.