عندما وقعت حرب تموز مع إسرائيل عام 2006 كان القرار لإيران ولم يكن لـ”حزب الله” الذي كان أمينه العام السيد حسن نصرالله طمأن أقطاب الحوار بعد اجتماع الهيئة برئاسة الرئيس نبيه بري إلى أن موسم السياحة والاصطياف سيكون جيداً هذا العام، ولكن ما حصل كان العكس، فعوض أن يكون صيف سياحة فإنه كان صيف ساحة لحرب مدمّرة لم يكن السيد نصرالله نفسه يتوقّع أن تكون بهذه الضراوة فقال بعد انتهائها كلمته الشهيرة “لو كنت أعلم”.
والسؤال المطروح في الأوساط الرسميّة والسياسيّة والشعبيّة بعدما فجّر “حزب الله” في مزارع شبعا آلية للجيش الاسرائيلي رداً على خرق اسرائيلي أدى إلى استشهاد لبنانيين هو: هل يؤدّي الفعل ورد الفعل بين اسرائيل ومقاومة “حزب الله” إلى إشعال جبهة الجنوب الهادئة منذ صدور القرار 1701 لا أن تبقى الحدود السورية مع لبنان والعراق وحدها مشتعلة بسبب هجمات التنظيمات الارهابية ولاسيما تنظيم “داعش”؟
ثمة من يقول إنه إذا كانت إيران وراء قرار التفجير في مزارع شبعا كرسالة تبعث بها لتحذر من تجاهل دورها في المنطقة في الحرب المعلنة على “داعش” وعلى الإرهاب بكل أشكاله وهوياته، فإنه يخشى عندئذ وقوع حرب جديدة مع اسرائيل على أرض لبنان. أما إذا كان التفجير هو قرار اتخذه “حزب الله” فقط فإنه يبقى محدود الزمان والمكان ككل عمليات سابقة لا تتعدى الفعل ورد الفعل.
ويذكر أن الرئيس سعد الحريري عندما كان في باريس بعد حرب تموز 2006 أبلغه رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون بعد اجتماعه مع الامين العام للممجلس الاعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي أن السيد جليلي أكد له أن “حزب الله” لن يقوم بأي عمل عسكري من جنوب لبنان دعماً لحركة “حماس” في قطاع غزة وأن هذا “شيء جيد للبنان”. وقال الرئيس الحريري إن لبنان والأحزاب السياسية اللبنانية تعلم جيدا نتيجة الحرب مع اسرائيل وما يحصل في غزة هو خير دليل، وان “حزب الله” لن يقوم بأي خطأ هذه المرة بعدما أخطأ في تقدير ردة فعل إسرائيل على خطفه جنديين اسرائيليين.
أما السؤال الآخر فهو: ماذا لو أن إيران قررت تحريك جبهة الجنوب مع إسرائيل تحقيقاً لأهداف تسعى إليها في المنطقة خصوصاً بعدما تشكل التحالف الدولي والعربي تحت عنوان محاربة تنظيم “داعش” والارهاب وهي لا تعرف التفاصيل عن أهداف هذا التحالف، ما يجعلها ترتاب وتشك فيها؟ لذلك لا بد لها من أن تجمع أوراقاً ضاغطة في يدها لممارسة لعبة المساومة والمقايضة ولكي تعزز موقفها في مفاوضات الملف النووي الذي له الأولوية في استراتيجيتها، خصوصاً أن هذه المفاوضات حُدّد الشهر المقبل نهاية له.
إلى ذلك، ترى أوساط سياسية وجوب بحث الموضوع في مجلس الوزراء نظراً إلى أهميته، فلا يتكرّر إعلان الحرب على إسرائيل بقرار من “حزب الله” وحده وليس في مجلس الوزراء كما ينص الدستور، خصوصاً أن لبنان هو في وضع سياسي وأمني واقتصادي ومالي هش لا يحتمل تداعيات أي حرب جديدة لا مع إسرائيل ولا مع غير إسرائيل.
لقد اعتبر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في حديث صحافي أن العملية التي نفذتها المقاومة في مزارع شبعا وقعت في أرض لبنانية، والبيان الوزاري على تحرير مزارع شبعا والاراضي اللبنانية المحتلة بكل الوسائل، وهي جاءت ردا على خرق اسرائيلي ادى الى استشهاد لبنانيين. وشدد باسيل على “ضرورة النظر الى الامر بكليته، فلبنان يسجل شهريا عشرات الخروق الاسرائيلية لسيادته برا وبحرا وجوا، وللبنان حق مشروع بالمقاومة بإجماع لبناني وهو ما تقره المواثيق الدولية”.
إذا كان هذا هو موقف الوزير باسيل فهل هو موقف الحكومة أيضا؟
الواقع ان على الحكومة أن تبحث في الموضوع تحسباً لأي قرار قد يتخذه “حزب الله” متجاوزاً مجلس الوزراء. فإذا كان البيان الوزاري نص على حق لبنان في تحرير أراضيه المحتلة بكل الوسائل، فإن مجلس الوزراء مجتمعا هو الذي يقرر هذه الوسائل وليس أي حزب أو وزير بمفرده كما حصل في الماضي فكانت حرب تموز التي أوقفها القرار 1701، لكن لبنان عجز عن تنفيذه تنفيذا دقيقا كاملا، ولو أنه استطاع ذلك لكان الآن في منأى مما يجري حوله، ولما كان تنفيذه اقتصر على تأمين هدوء على الحدود مع اسرائيل بفضل وجود القوات الدولية والجيش اللبناني في المنطقة الحدودية، ولا هدوء على الحدود اللبنانية مع سوريا لأنها ظلت سائبة وتعذر الاتفاق على اتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبطها.
أفلا يكفي لبنان مشكلة الحدود مع سوريا وهجمات “داعش” وأخواتها وما تثير من خلافات كي تفتح عليه أبواب الخلاف على الحدود مع اسرائيل في وقت أشد ما يكون فيه اللبنانيون بحاجة إلى وحدة صف وموقف؟