ترك وزراء خارجية دول عدة من مجموعة الدعم الدولية لسوريا التي التأمت في ميونيخ الباب مفتوحا على نتائج غير مضمونة حول اتفاق على وقف الاعمال العدائية ومد المدن السورية المحاصرة بالمساعدات الانسانية. الانطباع الاولي للفشل المتوقع لاجتماع ميونيخ مبني على الثغرة المتمثلة في عدم اعتبار روسيا نفسها معنية من حيث الضربات الجوية التي تقول انها توجهها ضد الارهاب فيما هي تستهدف المعارضة السورية المعتدلة. فاعفاء روسيا نفسها من اتفاق وقف الاعمال العدائية الذي يفترض ان تدخل حيز التنفيذ بعد اسبوع في 19 الجاري فيما كانت موسكو تطالب بوقف للنار يبدأ في اول آذار المقبل من المحتمل ان يعني عمليا ان روسيا ستستفيد من هذا الوقت من اجل احداث مزيد من المتغيرات على الارض انطلاقا من انه قد لا يكون ضروريا اتاحة المجال لقوات النظام السوري والميليشيات الحليفة له بالسيطرة على حلب بل ربما الاكتفاء بمحاصرتها، بما يعنيه ذلك عمليا من اعطاء النظام ورقة اقوى في مرحلة التفاوض المقبل. فثمة اقتناع من الصعب تبديده عن حاجة روسيا الى الاسراع في تنفيذ ما تسعى اليه وتنظيف المناطق او المدن الرئيسية التي تمكنها من امساك الورقة السورية بقوة سواء كان السيناريو النهائي لسوريا تقسيمها ونيل النظام جزءا من سوريا او كان هذا السيناريو اعادة توحيد سوريا في ظل قواعد عسكرية ومعاهدة تمكنان روسيا من التحكم بالوضع السوري والتفاوض على اساس ما تملكه من اوراق انطلاقا من اعتقاد انه لن يكون في مصلحتها في نهاية الامر معاداة السنّة. ومن هذه الزاوية لا يستبعد ديبلوماسيون متابعون ان يكون اجتماع ميونيخ محطة من محطات الالهاء الروسية للولايات المتحدة من اجل تحقيق مزيد من المكاسب تحت عناوين لن تلبث ان تظهر هشاشتها على ارض الواقع كما حصل بالنسبة الى مؤتمر جنيف 3 قبل اسبوعين او كما يمكن ان يحصل لاسئناف هذا المؤتمر في 25 الشهر الجاري خصوصا ان الوقت ليس مفتوحا لروسيا التي لا تستطيع ان تستمر في الحرب طويلا في ظل وضعها الاقتصادي الصعب.
السؤال الاساسي هو ما اذا كانت الولايات المتحدة ضغطت على نحو كاف من اجل تحصيل نتائج من روسيا ام انها مرحلة اخرى من مراحل الموافقة الاميركية التي تبدو” ساذجة” فيما تستمر روسيا في ” خداعها” عبر الاستمرار في سياستها في تدعيم النظام السوري، ام ان روسيا ستنجح في كسب المزيد من الوقت عبر اتفاق على وقف الاعمال العدائية والذي يمكن ان تبرز عراقيل كثيرة امام تنفيذه ليس اقله الادعاء بالاستهداف من تنظيمات ارهابية لمواصلة القتال وتاليا احتمال اقتصار ما جرى على تقديم بعض المساعدات الانسانية ليس الا. فواشنطن، التي عبر وزير خارجية فرنسا المستقيل لوران فابيوس عن احباطه من ادائها في الموضوع السوري، تواجه امتحانا اضافيا لصدقيتها والتزامها في ظل فقدان كامل للثقة بادارة الرئيس باراك اوباما. وهناك انتقادات قاسية تطاول اوباما بالذات فيما وزير خارجيته يظهر ارباكا في المواقف التبشيرية التي يتخذها فيما يرى نفسه وجها لوجه مع مواقف روسية استباقية. موقف فابيوس هو موقف اوروبي ضاغط معبر عن احباط نتيجة ما تعانيه اوروبا من موضوعي اللاجئين والارهاب اللذين لا تعيرهما واشنطن أهمية كبيرة. الضغط الاضافي في اتجاه واشنطن مارسته اخيرا كل من تركيا والمملكة السعودية وصولا الى الكلام على استعداد للتدخل البري، الامر الذي استفز روسيا وايران والنظام، وقد ادركت روسيا ان المسألة قد تعني بسهولة احتمال مواجهتها ما واجهته في افغانستان حين تحصل قوات تحاربها هي على الارض على دعم عسكري. فاذا كانت واشنطن غير آبهة لتغيير روسيا موازين القوى على الارض لعدم تأثيره على مصالحها، علماً ان روسيا بدأت التحرك مع العراق أيضاً ما قد يهدد مصالح الولايات المتحدة ايضا، فان للاوروبيين ودول المنطقة مصلحة في الضغط عليها من اجل التحرك ومنع تغيير هذه الموازين المؤثرة استراتيجيا في المنطقة. واجتماع ميونيخ يكتسب اهميته في الاساس لجهة محتواه ومضمونه وما يعنيه في هذا الاطار على قاعدة كسب خصوم التدخل الروسي المزيد من الوقت من اجل محاولة عرقلة الامر الواقع الذي تسعى روسيا الى فرضه ومنع اختلال ميزان القوى بالاضافة الى الضغط على واشنطن اما للقبول بتغطية نوع من التدخل من حلفائها او الافساح في المجال امام اعطاء المعارضة المعتدلة اسلحة يمكنها ان تغير عبرها المشهد السوري كما حصل في مجزرة الدبابات التي حصلت مثلا بصواريخ اعطيت للمعارضة. اما نتائج اجتماع ميونيخ فتبقى رهنا بما يمكن ان ينفذ منها على الارض في الاسبوع المقبل. وثمة عامل اضافي ضاغط على الولايات المتحدة يكمن في ان خسارة المعارضة الارض في حلب قد لا يأتي بها الى طاولة المفاوضات بمقدار ما قد يدفع بها الى التطرف بعدما تكون خسرت الكثير ولن يعود مهما ان تكرسه خسارة سياسية، الامر الذي سيفقد مساعي الولايات المتحدة وتحديدا ادارة اوباما لتسجيل مكسب في وضع الملف السوري على سكة الحل.
بالنسبة الى بعض المراقبين ما لم ينجح اجتماع ميونيخ في وضع اساس متين لانطلاق المفاوضات، وهو اهم بذلك من القرار 2254 الذي اقره مجلس الامن حول سوريا، سيكون من الصعب الرهان على امل باستئناف جنيف 3 او سواه.