قد نتفهم الأسباب الموجبة لموجة الضرائب القاسية التي بدأت طلائعها تطل برأسها على المواطن اللبناني «الكحيان» الذي لم يبق على خميرته طحين. هذا إذا وُجدت الخميرة ذاتها أصلاً.
فبالنسبة الى زيادة الرسم على التبغ والمشروبات الروحية فهذا نظام ضريبي معمول به في مختلف بلدان العالم، وبالذات في الدول المتقدمة. سيان أكانت الذريعة تعزيز مداخيل الدولة أو الحفاظ على الصحة العامة جراء ما يتسبب به التدخين من أضرار ثبت أن بضعة انواع من السرطان في مقدمتها، إضافة الى التسبّب بإنسداد شرايين القلب الخ… وإن كانت التجربة قد أثبتت، عندنا وعند الآخرين، أن مدمني لفافة التبغ لا يردعهم رادع. فقد تبيـّن علمياً أنّ تعاطي التبغ هو إدمان أشد خطورة، ربّـما، من إدمان المخدرات.
وفي هذا السياق يعرف اللبنانيون الذين يزورون بلداناً عديدة أن أفضل هدية يأخذونها معهم الى صديق أو قريب أو حتى أحد المعارف هي «كروس» دخان أو زجاجة كحول.
أضف الى ذلك أنّ الفارق كبير جداً في السعر بين ثمن «علبة الدخان» عندنا والخارج حيث يصل، هناك، الى نحو عشرة دولارات أو عشرة وحدات من العملة الأوروبية أو عشرة جنيهات استرلينية حداً أدنى.
وأيضاً أن «الويسكي» الأوسكتلندي ذا الشهرة الواسعة والإقبال العريض عليه، يبلغ ثمن الزجاجة منه في بلد المنشأ (بريطانيا) ما يتجاوز ثمنها بأضعاف في لبنان.
وبالنسبة الى قيمة الضريبة المضافة (TVA) فلا يقل عن الــ15 في المئة في أنحاء عديدة من العالم.
فإذا أخذنا هذه المقاييس والمعايير والمقارنات لوجدنا أنفسنا في وضع ضريبي ممتاز ليصحّ فينا القول إن لبنان «جنّة ضريبية»!
ولكن المقارنة لا تقتصر على ما تقدم:
أولاً – هناك تقديمات وضمانات للمواطن ولدافع الضريبة المقيم شرعاً في بلدٍ من تلك البلدان، ليس لدينا منها شيءٌ في لبنان. فالإنسان، هناك، مضمون من المهد الى اللحد. من زجاجة الحليب في الرضاعة الى تقديمات التقاعد والشيخوخة. ولا ندخل في التفاصيل، فالكل يعرفها.
ثانياً – يعرف دافع الضريبة في البلدان التي تحترم ذاتها وتتحمل المسؤولية عن البني آدم فيها، أنه إذا دفع الضريبة فهي تعود إليه خدمات لا تحصى (ماء، كهرباء، طرقات، طبابة، استشفاء، دواء، سكن الخ…).
ثالثاً – ويثق دافع الضريبة أنّ القرش الذي يدفعه رسوماً وضرائب لا يذهب الى جيوب المتنفّذين وآكلي لقمة المواطن، وسالبيه أدنى حقوقه في الحياة، لأنّ أمثال هؤلاء، إذا وجدوا، فإنما في السجون يوجدون!
وعليه فإننا إذا تفهمّنا زيادة الرسوم والضرائب من حيث المبدأ فإننا نرفضها من حيث الواقع… لانّ الذين حدّثونا طويلاً عن الفساد ومكافحته والاقتصاص من الفاسدين لم يحققوا شيئاً من وعودهم. ولأنّ المواطن «الجوعان» سيتحمل، فوق بؤسه وفقره و «تعتيره» الكثير الكثير… وأما الذين سرقوا مال الناس ولقمة الفقير، فهم في عزهم يرفلون!