الأسواق خذلت السياسات، والناس خذلوا التوقعات، وبهجة الأعياد ستحلُّ شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.
مَن يجول في الطرقات هذه الأيام ويدخل إلى المجمَّعات التجارية، لا يستطيع أن يلحظ الفرحة في عيون الأطفال مع أهلهم والبسمة في محيَّا الكِبار، إنَّه العيد الذي ينتظره الجميع من سنةٍ إلى سنة ليودِّعوا معه عاماً ويستقبلوا عاماً جديداً.
السنة التي تقترب من الرحيل لم تكن سنةً عادية على الإطلاق، كانت إستثنائية بكلِّ المقاييس، أحياناً وصلت في إيجابياتها إلى أعلى درجات الإيجابية، كما في المقابل بلغت في سلبياتها أعلى درجات السلبية:
سلبياتها في السياسة وفي الأمن وإيجابياتها في الملفات الغذائية وفي الشؤون المعيشية.
عام 2014 كان عام الفشل الذريع في الإستحقاقات الأساسية وفي اللاءات الوطنية:
لا إنتخاب لرئيس الجمهورية على رغم الجلسات الست عشرة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري. ويبدو أنَّ الشغور في موقع الرئاسة سترثه السنة الجديدة من السنة الحالية التي تقترب من الرحيل، فكل المعلومات تتقاطع عند أنَّ لا إنتخابات قبل الربيع المقبل، وهكذا يكون الإستحقاق الرئاسي قد تأخَّر سنةً كاملةً من أيار من هذه السنة حتى أيار المقبل ربما.
وما إنطبق على إنتخابات الرئاسة إنطبق أيضاً على الإنتخابات النيابية، مرَّت المهلة ولم تجرِ الإنتخابات، أكثر من ذلك فإنَّ لا قانون إنتخابات جديد في المدى المنظور، وهكذا لا إمكانية لإجراء مثل هذه الإنتخابات قبل الإنتخابات الرئاسية التي ليست قريبة أصلاً.
ومع ذلك الناس يُصرُّون على التفاؤل، وليس قليلاً أن يعيشوا الفرحة في بلدٍ لا يُقدِّم لهم سوى الحزن والإحباط، إنَّ آمالهم أكبر من يأسِ دولتهم، إنَّ حبَّ الحياة ليس شعاراً برَّاقاً فحسب بل هو حقيقة يعيشها المواطنون وتتجلَّى أكثر فأكثر في يومياتهم وفي إستعداداتهم وتحضيراتهم للأعياد، فلو اتِّبعوا تقويم الدولة في قياس التفاؤل لكانوا قبعوا في منازلهم لا يعترفون بِعيد ولا يقوون على الإحتفال به.
بالأمس بدأت إشاعات تتوسَّع عن تهديدات تطاول مطار بيروت وغيره من المرافِق، وواضح أنَّ هذه الإشاعات تستهدف ليس فقط أمن البلد وطمأنينة أبنائه بل الأعياد في حدِّ ذاتها، فهناك المغتربون الذين يودُّون المجيء إلى البلد لتمضية فترة الأعياد مع أهلهم وأقاربهم وأصحابهم، فما المقصود من التهويل؟
هل المقصود منعهم من المجيء وتخويفهم ليبقوا خارج لبنان؟
ما المقصود أيضاً؟
هل المقصود من المقيمين أن يُنظِّموا عطلاتهم على أساس السفر إلى الخارج بدل البقاء في لبنان؟
إن العقولَ الشريرة تُولِّد دائماً السيناريوهات السوداء، ولا تتوانى عن بثِّ روح الذعر في صفوف الناس، سواء المقيمين منهم أو المغتربين، لكن هذه العقول لن تنجحَ هذه المرة في مسعاها، فلبنان على رغم كلِّ ما يعانيه من توتراتٍ وأزمات، يبقى أفضل بكثير من الدول حتى تلك التي تتباهى بأنها مستقرة، ما حدا أحسن من حدا، والدول التي كانت تعد بالإستقرار لم تعد مستقرة إلى درجة أنَّ لبنان على رغم ويلاتِه بات أفضل منها بكثير.
كل ذلك يدفع إلى القول للناس:
عيِّدوا ولا تهابوا الإشاعات.