لا… لا، إسمحوا لنا، تمهّلوا واستحوا واخجلوا… كفى… أيها القادة والأحزاب والنواب والموارنة، وذوو الألباب والمتاجرون بالأرض والوطن والبشر.
بعد مرور سنتين على الشغور الرئاسي، وربُّكم أدرى كم هو بعد يطول… إسمحوا لنا أن نقول لكم كفى اخجلوا.
كفى اللعب بهذا الذي إسمه وطن زاحف نحو الإحتضار، وهذه التي إسمها دولة تنهار وتتدمَّر، وهذا الذي إسمه الشعب وقد وُليّتمْ أمرَ يأسه وبؤسه وفقره وتهجيره، حتى إنّ الأمهات الحبالى أصبحن يحرصن على ولادة أبنائهن في بلاد العالم الحضاري وكأنهم مكتوبون للهجرة قبل الولادة.
توقفوا عن المهاترة والمغامرة وعن تدبيج الذرائع الواهية والحجج الكاذبة التي بها تبرِّرون التملّص من الإلتزام الرئاسي.
وليسمح لنا صديقنا شاعر البلاط البرتقالي الأستاذ إيلي الفرزلي بالقول: إنّ الميثاقية مرتبطة بالدستور وليس بالشخص، خلافاً لمواثيق التفويض الإلهيَ الذي كان يمارسه النظام الملكي بلسان الملك الفرنسي لويس الرابع عشر: أنا الدولة والدولة أنا.
وان الإلتزام الأخلاقي يجب أن يكون بالدستور وليس بالشخص، لأن الإلتزام الأخلاقي بالشخص هو التزام شخصاني، والإلتزام الأخلاقي بالدستور هو التزام وطني، والشخص ليس هو الوطن، وليس ذاك النادر الوجود والعبقري الخارق الذي إذا تخلّى تُزَلْزِلَ الأرض زلزالها، وتغمر البحارُ جبالها وتقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة.
وليسمحوا لنا أيضاً بأن نذكِّرهم، والوضع لا يحتمل المجاملة والمواربة، بأن لبنان اليوم هو الراقد في غيبوبة وطنية ديمقراطية أخلاقية، والمنحدر هبوطاً في انهيار سلطوي وفراغ دستوري قاتل، والمنكفئ في مربعات طائفية ومزارع، والمفكك في انشقاقات مذهبية وحزبية متواجهة ومستنفرة في أعلى درجات من التشنّج.
ان هذا اللبنان يحتاج اليوم الى رئيس يتمتع بحجم شخصي لا بحجم نيابي.
في الزمن الذي يتأجج فيه الإنقسام الداخلي برياح إقليمية عاصفة، يصبح الأضعف هو الرئيس الذي يبرز طرفاً في جبهة مقابل جبهة، والأكثر قوة فيه هو الأكثر وسطية واعتدالاً.
أبرز قوّتين عقلاً ومستوى وتمثيلاً منذ الإستقلال هما بشارة الخوري وكميل شمعون، ولأن زمانهما كان يشبه هذا الزمان، خرج كل منهما من الحكم بثورة، فيما استطاع فؤاد شهاب بفعل حكمته ووسطيته أن يبني دولة عصرية وينقذ وطناً من الإجتياح الناصري الذي اقتحم العالم العربي فأطاح العروش ودجّن فيها الجيوش.
من قال إنَّ الرئيس الناجح والقوي يجب أن يمتلك حاشية نيابية لكي بها يقوى، ومن قال إن هذه الحاشية لن تكون عبئاً على نزاهة الرئيس وسمعته حين تتوزع كالدبابير على المؤسسات لتحقيق المكاسب والمغانم بإسم نفوذ العهد، الحاشية في عهد الملوك هي التي أدت الى إفلاس الدولة وإعلان الثورة.
وهكذا كان شأن حاشية الرئيس بشارة الخوري التي ترأَسها سلطان… وهكذا تتحول حواشي العهود الى سلاطين وشياطين تهمس في أذن حواء لتوقعها في الخطيئة الأصلية.
إذاً، تفضّلوا أيها الناس، وكفّوا عن الذرائع الواهية، فالوطن يتراقص على كفوف العفاريت، ولتكن أيديكم التي تطاولت على صناديق الدولة، موجهة لمرة واحدة نحو صندوقة الإقتراع لانتخاب الرئيس، «واتَّقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير…».