اللبنانيون المعادون لـ”حزب الله” يتصرفون مثل “النعامة التي تدفن رأسها في الرمال” كلما واجهوا مشكلة يعرفون أنهم سيواجهونها. وردّ فعلهم يكون دائماً التفاجؤ والاستهجان والاستنكار والإدانة والمطالبة بالتزام القواعد والقوانين والقرارات الداخلية والدولية. مناسبة هذا الكلام هي رد فعل فريق 14 آذار على خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مناسبة تكريم شهدائه وايران الذين اغتالتهم اسرائيل أخيراً في القنيطرة السورية. إذ انطوى على اعتراض (مكرّر) على تفرّده بقرار الحرب والسلم، وعلى تمسكه بـ”الثلاثية الذهبية”، وعلى انتهاك القرار الدولي 1701، وعلى جرِّ لبنان إلى حرب ستؤذي اللبنانيين كلهم، وعلى ربط لبنان بمحور اقليمي تقوده إيران وتواجه به غالبية المجتمعيْن الدولي والعربي. علماً أنه يعرف أن 8 آذار و”الحزب” لم يغيرا حرفاً من مواقفهما التي اتخذاها إبّان الهيمنة السورية على لبنان وبعد زوالها. وهو يعرف أيضاً ان “التساهل” المدروس لـ”الحزب” بعد نشوب الحرب الأهلية السورية عبر اشتراكه في حكومة واحدة مع 14 آذار كان متعمّداً، وأن ظروفاً “قاهرة” فرضته أبرزها قتاله في سوريا ورفضه الانجرار إلى حرب أهلية داخل لبنان، سواء بإحداث فراغ حكومي يواكب الفراغ الرئاسي ويجعل شلل مجلس النواب نهائياً، أو بالرد مباشرة وفي سرعة أو تسرّع على استفزازات استدراجية له يقوم بها أعداؤه في لبنان وسوريا وخارجهما من المؤمنين بالتيارات الإسلامية المتطرّفة جداً التي يسميها تكفيرية.
في أي حال المأمول من الآن وصاعداً، بعد الخطاب الواضح والقوي للسيد نصر الله الذي شرح فيه بكل صدق سياسة حزبه ونياته وأهدافه واستراتيجيته وتحالفاته وحتى خططه سواء للرد على اسرائيل أو على غيرها، المأمول أن يتوقف المعادون له ولحزبه من اللبنانيين عن الاستنكار، وأن يقرروا أمراً من اثنين. الأول مواجهته بكل الوسائل الممكنة لإفشال مشروعه. علماً أن بعضها قد ينعكس سلباً أيضاً على البلاد. والثاني التعايش معه من دون الاستسلام له لتجنيب لبنان خطر المتشدِّدين الذين يتهددون افرقاءه بل كل شعوبه مع الاستمرار في رفض مواقفه وسياساته والانتظار. أي انتظار تطوّرات الحرب في سوريا، وانتظار تطوّرات المفاوضات النووية بين المجموعة الدولية 5 + 1 وإيران، وانتظار التطوّرات بين “الحزب” و”اسرائيل”. علماً ان الانتظار الأول سيطول لكن نهايته لن تشهد انتصاراً لنظام الأسد أو انتصاراً للمتشدِّدين، بل انكساراً للجميع بتراجع كل من المتصارعين الى مربَّع جغرافي يحكمه ريثما يتكوّن النظام الاقليمي الجديد. علماً أيضاً أن الانتظار الثاني قد يكون قصيرا، لكن نهايته المرجحة تفاهم دولي اميركي – إيراني ينعكس حواراً ايرانياً – سعودياً يُثمِر حلحلة لبنانية وخصوصاً في موضوع الشغور الرئاسي، وليس حلاً نهائياً للقضية اللبنانية، إذ عادت قضية بعدما ظنَّ اللبنانيون عام 1989 أنهم دخلوا عصر لبنان الجديد المتصالحة شعوبه، والمؤمنة بنهائيته كياناً ودولة وبالولاء الأول له على حساب كل الولاءات الأخرى. أما الانتظار الثالث فقد يطول أو يقصر تبعاً لعوامل عدة. ذلك أن الأمين العام نصر الله كرَّر أنه لا يريد حرباً مع إسرائيل ولا يخشاها. لكن بنيامين نتنياهو رئيس وزرائها يخاف إذا شن حرباً على “الحزب” أن يفشل في الانتخابات العامة بعد أقل من شهرين، تماماً مثل شيمون بيريس الذي اسقطته فيها عملية عسكرية واسعة ومجزرة أمر بهما عام 1996 (قانا). لكن إنهاء “الحزب” اعترافه بـ”قواعد الاشتباك” قد يفتح الباب لاشتباكات وربما لحروب بعد انتهاء المفاوضات الدولية مع إيران. فإذا فشلت تتطور الاشتباكات إلى حروب. وإذا نجحت يستكمل نتنياهو نقل عملية السلام وتحديداً قضية فلسطين من الموت السريري الى الموت الرسمي الذي تعقبه عادة عملية الدفن، وذلك على رغم كل كلام مخالف يصدر عن “الحزب” وعن إيران مع الاحترام والتقدير لهما معاً.
في اختصار على مناهضي “حزب الله” من اللبنانيين أن لا يخافوا. إذ أن تركيبة لبنان المتوازنة طائفياً ومذهبياً الى حد بعيد، والعصيّة على التقسيم الذي قد يشهده بعض المنطقة، تفرض التوصل الى صيغة وتالياً إلى دولة وإن غير ممتازة. ولأن الأكثرية في العالم العربي – الاسلامي لن تسمح بقهر مؤيديها في لبنان. ولأن الأقلية بقيادة إيران الدولة القوية ذات الدور المهمّ في مكافحة الارهاب الإسلامي المتطرّف لن تسمح بقهر مؤيديها فيه أيضاً.