يُحدّد موعد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا يُنتَخَب رئيس، تُحدّد جلسة لمجلس الوزراء ويُوزّع جدول أعمالها، فيتبيّن أن بنودها من نوع لايت حيث ان البنود الدسمة التي تهم الناس غير موجودة، والسبب انها تقع في خانة بنود خلافية فيجري سحبها من جدول الأعمال، وعندها ماذا يبقى من هذا الجدول غير البنود الهامشية.
تُحدّد جلسة لطاولة الحوار فتكون من الجلسات التي لا تُقرّر شيئًا، وإذا قرّرت فليس لقراراتها أي صفة إلزامية.
هكذا، ثلاث طاولات، وثلاثة مقرّات، والنتيجة صفر:
من مجلس النواب إلى السرايا الحكومية إلى عين التينة: طاولات وجلسات، والجميع يعرف في قرارة نفسه ان القرار ليس في هذه الأماكن الثلاثة، كلّ ما فيها حكايات تُروى لطفل ليغفو، إذا لم يكن بالإمكان إطعامه… هكذا حكّامنا، يروون لنا الحكايات لأنهم لا يستطيعون ايجاد حلّ لأزمات هُم افتعلوها.
***
وفوق ذلك، وبدلاً من أن يسيروا وفق الحكمة القائلة:
وإذا ابتليتم بالعجز فاستتروا، فإنهم يرفعون الصوت ويخفضون الرؤوس:
هذا يتحدث عن اللعنة والملعون، ذاك يتحدث عن الدلع السياسي، آخر يتحدث عن الخطوط الحمر التي يُمنَع على أي كان تجاوزها، وآخرون يتمتعون بحمايات وحصانات، وهناك مَن يحظى بالغطاء.
هذا هو حال الجمهورية.
***
في أي بلدٍ في العالم توضَع خطوط حمر في وجه تطبيق القوانين؟
في أي بلدٍ في العالم يُوضع غطاء سياسي لحماية المخالفين؟
في أي بلدٍ في العالم تكون الحصانة للجميع إلاّ للمواطن العادي؟
للرئيس حصانة وللوزير حصانة، وللنائب حصانة وللقاضي حصانة والمحامي حصانة، فمَن يبقى غير المواطن العادي الذي ليست له أي حصانة؟
صاحب السلطة هو الذي يجرؤ على المخالفة، ولأنه محصّن فلا أحد قادر على محاسبته، ويبقى القانون ليُطبّق على الصغار.
***
هكذا يستحيل بناء بلد، سواء انتُخِب رئيس الجمهورية أم لم يُنتَخَب:
فأزمة النفايات موجودة قبل الفراغ الرئاسي، وجبل النفايات في برج حمود مرّ عليه ثلاثة عهود، فلماذا تُرِكَ الى اليوم؟
اختناق السير موجودٌ قبل الفراغ الرئاسي، فماذا فعلَت الحكومات حين كان هناك رؤساء؟
نقول هذا الكلام ليُدرك الجميع ان انتخاب رئيس هو حلقة في سلسلة لبدء المعالجات وليس كل المعالجات.
***
صحيح ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية يساهم في إعادة بناء السلطة، لكن ليتذكر الجميع ان بدء انهيار السلطة في لبنان جاء في أيام كانت السلطة فيه مكتملة: فلا فراغ في الرئاسة، والحكومات كانت أقل عجزًا، ومع ذلك بدأت السلطة بالإنهيار.
أليس من باب التعمية على الحقائق محاولة انتاج قانون جديد للإنتخابات في ظل الفراغ؟ هذا القانون الجديد مطلوب منذ اتفاق الدوحة أي منذ ثمانية أعوام، فأين كان الغيارى على تحديث القوانين طوال هذه الأعوام الثمانية؟ ولماذا يستفيقون اليوم؟
***
إنه العجز الذي لا حدود له.
انه الغش الذي لا حدود له.
سلطة تنفيذية عاجزة عن كل شيء إلاّ عن ترتيب ديون ليس على الجيل الحالي فقط بل على الأجيال المقبلة.
***
ويُحدّثونك عن دولة.