من غير المفترض ان يكون اي فريق لبناني قد فوجئ بتمديد المفاوضات حول الملف النووي الايراني لا من زاوية “خبرة” هؤلاء الافرقاء طبعا في العالم النووي وإنما من واقع مريض معتق في “كوننة” الازمات اللبنانية وربطها بكل ما يصح ولا يصح خلف الحدود. تبعا لذلك يتراءى لنا ان التمديد النووي كان خبرا سارا للبعض لانه طبع التمديدات اللبنانية بدمغة “تشريع” دولية وجعل صورة التمديد لمجلس النواب مثلا بمثابة “مفرزة سباقة” قرأت واقعيا اتجاهات الريح الدولية، فيما شكل في المقابل خبرا سيئا للذين أقاموا أحلاما غير واقعية توسلت حسما وشيكا لازمة الفراغ الرئاسي لمصلحة فريق بعينه.
لا ندري واقعيا كم لعب تضخيم الحسابات ونفخ حجم الازمات الداخلية دورا في بعض ما يرتسم من تحركات ومشاريع داخلية حاليا. ولكن يصعب تجاهل التساؤل عما اذا كان الافرقاء اللبنانيون قد بدأوا يستشعرون “وحشة” تركهم لتقليع شوكهم المنزلي بايديهم بعدما اثبتت ثمانية أشهر من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية ان اي خارج ليس متفرغا للاستحقاق اللبناني. يود كثيرون ان يتصوروا وجود هذا الاقتناع عله يفضي الى لبننة طال انتظارها تنهي عهد الفراغ الحالي المتحفز لتحقيق رقم قياسي جديد مماثل لتجربة الفراغ ما بين نهاية عهد الرئيس أمين الجميل وبداية عصر الطائف مع كل تداعياته المدمرة. ولكن، والحق يقال على حقيقته العارية، ان ما يعلق راهنا على حوارات ثنائية على جنبات الازمة لا يحمل معطيات كافية ومطمئنة الى ان تغييرا جذريا هو على الطريق.
ينطبق ذلك على مشروع الحوار بين تيار المستقبل و”حزب الله” مثلما ينسحب على تناغم طارئ حل بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. مع بعض الفوارق بين هذين الاتجاهين يفترض الا يغيب عن اصحاب الحوار بين المستقبل و”حزب الله” ان حوارا جديدا بقوالب وحسابات جامدة لن يؤدي الى اي تغيير بل انه سيراكم الخيبات فقط ولو ارتضى الناس مشهدا حواريا شكليا. كما ان التقاء عابرا ظرفيا لمصالح انتخابية افتراضية بين عون وجعجع لن يكون في افضل أحواله اكثر من مناورة لن تعمر بالمقدار الكافي اولا ولن تؤدي تاليا الا الى استنفار سائر المستهدفين بإلغاء حق تعددية الترشيح المكرس ديموقراطيا للجميع.
نقول ذلك لأننا نخشى في فراغات التمديدات الدولية والداخلية ان لا يسحب الداخل اللبناني الا ورقة المناورات وملء الوقت بمشاريع الهائية. وإذا كان ثمة ما يمكن ان يبدل الاقتناع الغالب علينا بهذه الحقيقة فلا نرى بعد مقدمات متينة وكافية لإسقاط التشكيك الاستباقي في كل توجه حواري ونزع طابع التجارب المجربة فينا وعلى حسابنا دوما.