تكاد الحرب الدموية المشتعلة في سوريا، والصراع الإقليمي على النفوذ في المنطقة، والتعبئة الأوروبية ضد ارهاب “الدولة الإسلامية” أن تغطي ما يجري في أراضي الضفة الغربية والقدس، وأن يصرف الاهتمام عن أهم حراك فلسطيني شعبي عفوي شبابي عنفي الى حد اليأس يعيشه الفلسطينيون اليوم احتجاجاً على استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
بعد مرور شهرين على بدء الهبّة الفلسطينية يعترف المسؤولون في إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي كله انهم ازاء ثورة مختلفة من نوعها لا تقل خطراً عن الانتفاضات السابقة، وانها تطرح تحدياً حقيقياً على المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل اللتين عجزتا حتى الآن عن كبحها.
في مواجهة شباب السكاكين لم تنفع حتى الآن كل الأساليب العقابية التي استخدمتها إسرائيل. لم ينفع القتل لأن هؤلاء الشباب اختاروا طوعاً الموت، وكانوا يعرفون سلفاً انهم سيلاقون حتفهم، ولأن الاستشهاد في رأيهم كما كتبوا في صفحاتهم بموقع “فايسبوك” افضل من حياة الذل. كما لم تنفع عقوبة هدم المنازل، فالشبان الذين يقدمون على عملياتهم اعتذروا من عائلاتهم سلفاً لتعريضهم إياها لمثل هذه الخسارة. كما لم تنفع عقوبة قطع الارزاق من خلال منع دخول الفلسطينيين للعمل في إسرائيل. لم يبق سوى سياسة العزل والطرد أو الضم القسري، لكن ثمة شكاً في ان تمثل رداعاً لشباب كسروا حاجز الخوف مرة واحدة والى الابد.
لقد نجح شباب ثورة السكاكين في زعزعة اسس الوضع الراهن الذي يسعى اليمين الإسرائيلي الى تأبيده من خلال الترويج أنه من الممكن مواصلة الاحتلال وتوسيع المستوطنات وتدجين الشعب الفلسطيني والتحكم بحياته، والسيطرة على سلطته الوطنية، واستغلال انقساماته السياسية الى ما نهاية.
أبناء الهبّة الفلسطينية الاخيرة هم شبان وشابات غالبيتهم لم تتخطّ سن العشرين، انهم أبناء الجيل الجديد من المقاومين الاستشهاديين. شبان وشابات يختارون الموت طوعاً من دون تحضير نفسي أو ايديولوجي، ومن دون دعم لوجستي أو مادي، ومن دون زعيم معين أو انتماء الى فصيل محدد. انهم جيل من الشباب الفلسطيني الغاضب واليائس والثائر ليس على المحتل فحسب بل على زعاماته التقليدية. والمدهش ان عدد الاستشهاديين الجدد بلغ خلال الشهرين الاخيرين اضعاف عدد الانتحاريين الذين عرفتهم الانتفاضة الفلسطينية الثانية خلال ثلاث سنوات.
في هذه المرحلة الخطرة من التبدلات التي قد تغير صورة الشرق الأوسط كله، تسعى إسرائيل الى استغلال الحملة الدولية على الارهاب الجهادي لتشويه صورة النضال الفلسطيني وتحريض العالم عليه. لكن ما يجري ليس ارهاباً، انه صرخة يأس فلسطينية قبل الثورة العارمة.